الاثنين، 19 سبتمبر 2011

تفسير سفر صموئيل الثانى


1- الأصحاح الأول - داود يرثي شعبه

انتصر داود على عماليق وردّ المسبيين وعاد يحمل الغنائم الوافرة ليوزع منها على شيوخ يهوذا، ويجدد المساكن بعد حرق صقلغ (١ صم ٣٠)، أما قلبه فكان ملتهباً من جهة شعبه، إذ يعلم كيف ضعف الجيش وفارق روح الرب شاول بينما اتسم جيش الفلسطينيين بالقوة والنظام ... في اليوم الثالث من وصوله إلى صقلغ جاء عماليقي يبشره بموت شاول مسيح الرب، وكان ينتظر مكافأة مدعياً أنه ضرب شاول في أنفاسه الأخيرة فنال عقوبة، ورثى داود شاول ويوناثان وكل الشعب.
١ - عماليقي يبشر بموت شاول ١-١٠
٢- داود يبكي شعبه ١١-١٣
٣ - داود يعاقب العماليقي ١٤-١٦
٤- مرثاة لشاول ويوناثان ١٧-٢٦

١ – عماليقي يبشر بموت شاول
في اليوم الثالث من وصول داود إلى صقلغ بينما كان مهتماً بإعادة بنائها كان قلبه يئن مع ضيقه شعبه، متوقعاً بين لحظة وأخرى أن تصله أنباء المعركة، وإن كانت الأنباء متوقعة مقدماً. جاءه غلام بثياب ممزقة و على رأسه تراب يخبره بنتائج المعركة.
لاندهش من عدم إرسال داود جاسوساً إلى أرض المعركة ليأتيه بالأخبار، إذ كان يعلم ما سيحدث مقدماً، وقد خشى أن يظن أحد انه متهلف على تولي العرش بموت شاول ورجاله.
أما قصة هذا الغلام العماليقي، فبحسب التقليد اليهودي هو ابن دواغ الأدومي: شعر أن داود سيملك لامحالة، فأرسل ابنه كغلام عماليقي يكون أول مبشر له بخبر موت شاول ويوناثان، وهو الذي أعطاه الإكليل الذي على رأس شاول – عصابة ضيقة من الذهب حول خوذته – والسوار الذي على ذراعه. غالباً ما رواه الغلام كان كذباً، لكنه أراد أن يكسب ود داود. فمن جهة جاء بثياب ممزقة والتراب على رأسه معتبراً نفسه واحداً من شعب داود كان يخدم أحد العاملين في الجيش، أميناً في مشاعره حتي بعد هزيمة سيده. ومن جهة أخرى أخبره بأن شاول ويوناثان ابنه ماتا، وكأنه لم يصر هناك وارث على العرش سواه. إذ كان شاول وحده دون يوناثان يطارد داود، لأن يوناثان كان يحب داود كنفسه، لهذا قال عن شاول فقط: "فوقفت عليه وقتلته". رأى علامات الضيق والحزن على وجه داود فأكمل حديتة: "لأني علمت أنه لا يعيش بعد سقوطه". أخيراً أراد أن يهنئه بالمُلك كوارث لشاول، فقدم له إكليل شاول وسواره لأنه هو أولى من يستلمهما.
في الآثار الأشورية غالبا مايُصور المحاربون وقد لبسوا حليَّاً خاصة أسورة على اذرعتهم.
واضح من القصة أنها مختلفة، فإنه جاء في ١صم ٣:٣١ الخ "أصاب الرماة شاول فانجرح، فطلب من حامل سلاحه أن يستل سيفه ويطعنه حتى لا يُقبِّحه الغُلف. رفض حامل السلاح إذ خاف جداً فأخذ شاول السيف وسقط عليه. إنه ليس من المقبول أو المنطقي أن يطلب الملك من رجل غريب عابر طريق لا يعرفه أن يقف عليه ويقتله".
صورة مؤلمة لقصة أحكم الغلام أو أبوه حبكها لكي يكسب ودّ داود أو ينال مكافأة، إذ ظن أن داود ينتظر المُلك متلهفاً، لكن داود الحلو في حبه وإخلاصه حكم على الغلام من فمه كقاتل لمسيح الرب. لقد كذب العماليقي، وجنى ثمرة كذبه قتله لنفسه (إذ ارتكب سلسلة خطايا منها الكذب والطمع ...) كما دفع حياته الجسدية للهلاك عوض المكافأة.
يتحدث السيد المسيح عن إبليس قائلاً: "ليس فيه حق، متى تكلم بالكذب فإنما مما له لأنه الكذاب وأبو الكذاب" (يو ٤٥:٨). كما قيل: "كراهة الرب شفتا كذب، أما العاملون بالصدق فرضاه" (أم ٢٢:١٢).
† الكذب ممنوع بعبارات قوية مملؤة تهديداً، كقول النبي: "تهلك كل الناطقين بالكذب" (مز ٧:٥) و "الفم الكاذب يقتل النفس" (حك ١١:١).
الأب يوسف
† منذ اليوم الذي فيه دُعي اسم المسيح عليّ لم يخرج كذب من فمي.
أنبا آنوب

٢ – داود يبكي شعبه
لم يفكر داود ولا رجاله في التشفي في شاول المقاوم لهم زماناً طويلاً، ولا فيمن يستلم الحكم من بعده، ولا في المجد الذي يعود عليهم بعد قتل شاول ويوناثان؛ وإنما ندبوا وبكوا وصاموا إلى المساء من أجل موت شاول ويوناثان ومن أجل موت الكثير من الشعب وانكساره.
بكي داود الرقيق في مشاعره، وقد تعلم منه ابنه سليمان هذا الفكر، فقال: "ولا تفرح بسقوط عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر، لئلا يرى الرب ويسوء ذلك في عينيه فيرد عنه غضبه" (أم ٢٤: ١٧، ١٨)؛ "الفرحان ببلية لا يتبرأ" (أم ٥:١٧).
الإنسان الروحي لا يفرح بما يحل بأعدائه من متاعب وإنما بقلبه المتسع يئن مع أنّات الجميع، ليس فقط مع أنات البشر المقاومين له بل حتى مع أنّات الحيوانات الضارة. إنه يطلب سلام كل الخليقة وسعادتها! قلبه متسع بالحب للكل!
لم يوجد من يبكي شاول ويرثيه من الأعماق إلا ذاك الرجل الذي أبغضه شاول لسنوات طويلة ومعه رجاله ... لقد حمل داود ظلاً للسيد المسيح الذي بكى على أورشليم الساقطة بينما كانت تستخدم كل طاقتها لقتله (مت ٣٧:٢٣؛ لو ٣٤:١٣)!
أعداؤنا أحوج إلى دموعنا من كل صديق، فإننا إذ نحبهم نبكي فيهم فقدان الخلاص بسبب عداوتهم، طالبين أن يعمل الله في الكل لخلاص الجميع.
إذ ندهش مما صنعه داود – المك الحقيقي الممسوح خفية بيد صموئيل النبي كطلب الله – حينما سمع بقتل الملك المرفوض شاول مضطهده، فإنه لم يدنه ولا شهَّر به بل رثاه ومدحه، فكم تكون خطيتنا نحن حين ندين الغير، خاصة الرعاة الذي أقامهم الرب لخدمة شعبه؟!
٣ – داود يعاقب العماليقي
تعجب داود كيف يتجاسر إنسان مفتخراً أنه قتل مسيح الرب وهو جريح في المعركة، لذا سأل الغلام: "من أين أنت؟" فقال له "أنا ابن رجل غريب عماليقي"، أي أن والده غريب الجنس سكن في وسط الشعب فصار دخيلاً. عاد ليسأله "كيف لم تخف أن تمد يدك لتهلك مسيح الرب؟". إذ لم يكن يتوقع مثهل هذا السؤال صمت، فحكم بصمته على نفسه: "دمك على رأسك لأن فمك شهد عليك قائلا: أنا قتلت مسيح الرب".
٤ – مرثاة لشاول ويوناثان
تقف كل نفس أمينة أمام هذه المرثاة العجيبة في خشوع لتحيّي الحب الصادق النابع من قلب داود تجاه مضطهده شاول وصديقه يوناثان. تهتز كل مشاعر داود أمام نبأ قتلهما فلم يقدر أن يحبس دموعه ولا أن يصمت بلسانه فسجل لنا هذه المرثاة.
يقول القديس أمبروسيوس: [إستبقاء حياة (شاول) يُعتبر أمراً صغيراً أمام حزن داود عليه عندما قُتل في الحرب، إذ ناح عليه بدموع، قائلا: "ياجبال جلبوع لا يكن طلّ ولا مطر عليكن ... الخ". أي أم تبكي على وحيدها كما بكى داود على عدوه؟! من يقدر أن متدح من قدم له خيراً مثلما مدح (داود) ذاك الذي خطط ضد حياته؟! لقد حزن عليه بكل عواطفه، انتحبه بمشاعر عميقة! الجبال جفت عند لعنة النبي ... الطبيعة نفسها قدمت تأديباً شهادة لموت الملك ].
عبّر داود النبي عن مشاعره الصادقة الأمينة بمرثاة شاول ويوناثان، وقد طلب من بني يهوذا أن يتعلموها لكي تبقى ذكرى دائمة. سُجلت في كتاب شعري مشهور في ذلك الحين يُسمى "سفر ياشر" وهو كتاب أدبي و ليس سفراً من أسفار الكتاب المقدس (يش ١٣:١٠؛ مل ٣٥:٨).
دعا داود مرثاته "نشيد القوس" ربما من أجل ذكره قوس يوناثان المحبوب لديه (٢صم ٢٢:١). وربما يشير هذه اللقب: "نشيد القوس" إلى أن "الرب رجل الحرب" (خر ٣:١٥)، قوسه هم رجاله الذين يستخدمهم لحساب ملكوته كما جاء في زك ٣:٩: "لأني أوترت يهوذا لنفسي وملأت القوس أفرايم" ... كان هذا النشيد الذي رثي به داود شاول ويوناثان إنما هو نشيد "قوس الرب" الذي يبعث الغيرة في حياة كل مؤمن ليجاهد روحياً فيكون قوساً في يد الرب. هذا النعيد أو هذه المرثاة ليست مزموراً موحى به بل هي قصيدة شعرية تكشف عن مشاعر حب وإخلاص .
"الظبي يا اسرائيل مقتول على شوامخك" (٢صم ١٩:١): ربما قصد بالظبي يوناثان، إذ كانت سرعة الحركة من أعظم سمات المحارب؛ فكان يوناثان سريعاً في حركته كالظبي، لكنه وُجد مقتولا على شوامخ اسرائيل، أي على جبال جلبوع الشامخة.
"كيف سقط الجبابرة؟!": ربما كان هذا القول قراراً في النشيد ، فقد دعا شاول وابنه ورجالهما جبابرة لم يُنتظر سقوطهم، كانوا سنداً للكثيرين، لكنهم سقطوا فسقط الجميع وراءهم.
"لاتخبروا في جت؛ لا تبشروا في أسواق أشلقون، لئلا تفرح بنات الفلسطينيين، لئلا تشمت بنات الغلف" (٢صم ٢٠:١). اختار جت بكونها أعظم مدن الفلسطينيين واشقلون المدينة التي فيها أعظم هياكل عشتاروت ربما أُرسل إليها سلاح شاول ويوناثان (١صم ١٠:٣١).
"يا جبال جلوبوع ال يكن طل ولا مطر عليكن ولا حقول تقدمات، لأنه هناك طرح مجن الجبابرة مجن شاول بلا مسح بالدهن. من دم القتلى من شحم الجبابرة لم ترجع قوس يوناثان إلى الوراء وسيف شاول لم يرجع خائبا" (٢صم ١: ٢١، ٢٢). هذه جميعها اصطلاحات شعرية تصور خطورة الكارثة التي حلت على جبال جلبوع حيث تلطخت بدماء ملوكية، دماء جبابرة بأس.
يطلب ألا يكون عليها طل ولا مطر فتجف وتصير قفراً بعد موت الجبابرة، لا يكون بها حقول تأتي بثمار يُقدم منها تقدمات للرب أو ما يستحق أن يقدم عنها عشور أو بكور حيث حل بها الخراب، فقد سقطت أسلحة الجبابرة. سيف شاول لم يمسح بالدهن ليقاتل به (كانت العادة أن يمسح السيف قبل استعماله)، لقد سقط عليه وتلطخ بدمه عوض الدهن. كانت قوس يوناثان و أيضاً سيف شاول دائمي العمل في قتل الجبابرة أما الآن فتوقفا!
تذكر داود انتصارات شاول الكثيرة وغلبته على أعدائه (١صم ٤٧:١٤).
"شاول ويوناثان المحبوبان والحلوان في حياتهما لم يفترقا في موتهما. أخف من النسور وأشد من الأسود" (٢صم ٢٣:١). أظهر داود نقاوة قلبه الداخلية فإنه لم ينطق بكلمة واحدة تسئ إلى شاول، ولا حتى بالتلميح، إنما امتدحه مع محبوبه يوناثان. تطلع إليهما كمحبوبيبن، فقد أحب يوناثان أباه شاول وبقى سندا له في البلاط، أمينا في عمله، حلوا في تصرفاته، ملاصقاً له حتى لحظات الموت وإن كان لم يسترح لحسد ابيه نحو داود ولم يشترك معه في التصرفات الخاطئة. إنه لم يخن أباه لكنه كان صريحاً معه ومطيعاً له في الحق. أما شاول فكان مملوءا حباً لابنه يبذل كل الجهد ليسلمه العرش من بعده.
مدحهما داود على سرعتهما في الحركة وشجاعتهما في القتال مشبها اياهما بالنسور والأسود.
"يابنات اسرائيل ابكين شاول الذي ألبسكن قرمزاً بالتنعم، وجعل الذهب على ملابسكن" (٢صم ٢٤:١).
كانت لشاول خطاياه من عصيان وعناد وجنون وحسد لكن داود تجاهل هذا كله في مرثاته، مذكراً النسوة الباكيات بأعماله الجبارة، فقد حارب وغلب، واسقرت البلاد في أيامه حتى لبست النساء القرمز متنعمات وتحلين بالذهب لأنهن في أمان من الأعداء والسبي.
"لقد تضايقتُ عليك يا أخي يوناثان. كنت حلواً جداً. محبتك لي أعجب من محبة النساء" (٢صم ٢٦:١). محبة النساء لرجالهن عجيبة، إذ يتركن بيوت آبائهن وأهلهن ويلتصقن برجالهن، إن مرضوا يخدمنهن ... إما حب يوناثان فكان أعذب وأحلى. لقد بقى في بيت أبيه محتملاً التعييرات بسبب داود. كان يعلم أن داود يحتل عرشه، فكان يهيئ له الطريق بفرح مقدماً حياته فدية عنه. كان بحق حلواً في حبه! أي شئ اعذب من الحب الأخوي الخالص الذي لا يطلب مالنفسه بل ما لصديقه!
يعبِّر القديس يوحنا الذهبي الفم عن حب يوناثان الحلو لداود، قائلاً: [ ماذا إذن، هل حسد (يوناثان) داود؟ قطعاً لا، مع انه كان يوجد سبب للحسد. لقد أدرك خلال الأحداث أن المملكة تعبر عنه إليه، ومع هذا لم يحمل شيئا من الحسد. لم يقل: إنه يحرمني من المُلك الموروث عن والدي. بل بالحري فضل أن يجتاز إليه المُلك، وفي نفس الوقت لم يتخل عن أبيه بسبب صديقه. لا يظن أحد أنه كان خائناً لأبيه، فإنه لم يؤذ لوالده وإنما بقى يقاوم محاولاته الظالمة ... لم يسمح لأبيه أن يكون قاتلاً ظالماً، فقد أراد في مراتٍ كثيرة أن يموت من أجل صديقه، مقاوماً اتهامات أبيه.
عوض الجسد كان يعمل ليستلم (داود) المُلك ... لقد ضحى بحياته لأجله. من أجل صديقه لم يخش حتى والده الذي دبر خططاً ظالمة.
كان ضميره حراً ... و هكذا ارتبط العدل بالصداقة ].
إما عن مقابلة داود حب يوناتان بالحب، فيقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
[لم تكن أمامه فرصة ليرد المكافأة ... فقد أُخذ (يوناثان) قبل أن يملك داود، وذبح قبل أن يستلم من خدمه المُلك.
ماذا إذن؟ لقد أعلن هذا البار صداقته قدر ماسُمح له؛ قدر طاقته، إذ يقول: كنت مفرحا لي يا يوناثان، لقد جُرحت حتى الموت!
هل هذا هو كل مافعله؟ ... غالباً ماأنقذ ابنه وحفيده من الخطر بسبب لطف الأب، وبقي داود يسند ويحمي أبناءه هو. هكذا أراد أن يتمتع الكل بصداقة تجاه الأحياء والأموات ]..
قاموس الكلمات:-
سفر ياشر- كتاب يحوى قصائد شعرية.
بالدهن- زيت عطر، طيب.
الدوار- الدوخة.
اعتراني- اصابنى.
 
 
- الأصحاح الثاني – داود يملك على يهوذا
لقد أيقن داود أنه هو الملك المختار من قبل الرب، لكنه استشار الرب أولاً إن كان يصعد إلى إحدى مدن يهوذا.
وبعد سؤال الرب صعد داود إلى حبرون حيث مُسح ملكاً على بيت يهوذا. لم ينس داود المعروف الذي صنعه رجال يابيش جلعاد مع شاول بعد موته. أقام أبنير أيشبوشث بن شاول ملكاً على جلعاد والأشيريين ويزرعيل وافرايم وبنيامين وكل اسرائيل. بدئ أبنير بالحرب ضد رجال داود حيث غلبه رجال داود؛ عاد فطلب أبنير أن تتوقف هذه الحرب الأهلية فقبل الطرفان إلى حين.
١ - مسح داود ملكاً على يهوذا ١-٤
٢ - داود يمتدح أهل يابيش ٥-٧
٣ - أبنير يقيم أيشبوشث ملكاً ٨-١١
٤ - أبنير يثير حرباً أهلية ١٢-١٧
٥ - أبنير يقتل عسائيل ١٨-٢٣
٦ - سعي يوآب وراء أبنير ٢٤-٣٢

١ – مسح داود ملكاً على يهوذا
مات شاول ويوناثان، وكانت الخلافة لايشبوشث بن شاول. اسمه الأصلي "أشبعل" (١أي ٣٣:٨)، أي "رجل البعل" أو "الرجل ذو سيادة". ولما كانت كلمة "بعل" قد تخصصت لإله الفينيقيين لذا تغير اسمه إلى أيشبوشث لتعني "رجل الخزي" إذ كان ضعيفاً غير قادر على العمل، يحركه أبنير رئيس جيش شاول كيفما يريد.
أما داود الذي سبق فسحه صموئيل ملكاً سراً وسط أخوته (١صم ١٦)، فكان عند موت شاول ويوناثان في صقلغ في أرض الفلسطينيين، وقد خلا له الجو إلى حد كبير ليستلم العرش. أما هو فبحكمة واتزان لم يتسرع طالباً الحكم وإنما رأى أنه لا داعي لبقائه خارج وطنه بعد موت شاول الذي كان يطلب نفسه. لقد شعر بحنين شديد نحو خدمة شعب الله، لذا سئل الرب إن كان يصعد إلى إحدى مدن يهوذا، أي وسط سبطه الذين كانوا بلا شك يميلون إليه أكثر من غيرهم. سإل الرب خلال الأوريم الذي أحضره أبياثار الكاهن معه.
بحسب الفكر البشري فإن انطلاق داود وأسرته ورجاله وأسرهم إلى يهوذا أمر طبيعي بعد موت شاول لايحتاج إلى تفكير ولا إلى صلاة أو طلب مشورة إلهية، لكن داود – كرجل الله – يدرك أهمية طلب مشورة الله ليس فقط وقت الضيق أو حالة الارتباك والغموض، وإنما حتى في لحظات الفرج وحين يكون الطريق واضحاً. الاتكاء على صدر الرب وطلب مشورته من سمات أولاد الله المرتبطين بأبيهم السماوي خلال دالة الحب العميق والشركة الدائمة معه.
جاءت الإجابة الإلهية بالإيجاب، أي يصعد إلى يهوذا، وقد وجهه الرب إلى "حبرون" من أعظم مدن يهوذا المقامة بين الجبال كحصون طبيعية.
"حبرون" معناها "اقتران" ، "صداقة"، "اتحاد"، "رباط" الخ ... دُعيت أصلاً "قرية أربع" (يش ٧:٢٠)، تدعى حاليا مدينة "الخليل" إذ سكن ابراهيم خليل الله بجوارها عند بلوطات ممرا (تك ١٨:١٣؛ ٢٧:٣٥)، وهناك ماتت زوجته سارة ودفنت، ودفن هو أيضاً فيها ...
صعد داود وامرأتاه ورجاله بعائلاتهم ليسكنوا حبرون والمدن التابعة لها، وهناك جاءه رجال يهوذا ومسحوه ملكاً علانية.
إن كانت "حبرون" تعني "اقترانا" فإنه ما كان يمكن لداود أن يُمسح ملكاً ما لم يصعد هو وأسرته ورجاله إليها ليأتيه رجال يهوذا هناك. أقول إننا لن ننعم بالمسحة المقدسة لنحسب "ملوكاً وكهنة" (رؤ ٦:١؛ ١٠:٥) مالم ننعم بالاتحاد مع ربنا يسوع "ملك الملوك"، نقدم حياتنا كلها: النفس مع الجسد بكل إمكانياتهما وقدراتهما ومواهبهما ... لننعم بشركة مع الله في ابنه يسوع المسيح، فنملك معه.
يقارن يوسابيوس القيصري بين مسحاء العهد القديم من كهنة وملوك وأنبياء وبين السيد المسيح نفسه موضحاً أن ماناله رجال العهد القديم كان رمزاً فكانوا عاجزين عن أن يقيموا من أتباعهم مسحاء، إما السيد المسيح فهو وحده الذي دُعى اتباعه "مسيحيين"، لأنهم صاروا فيه مسحاء: ملوكاً وكهنةس.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم . أنه في العهد القديم كان الروح القدس يهب مسحة للبعض فيقيم ملوكاً أوكهنة أو أنبياء، أما في العهد الجديد – ففي المسيح يسوع – نلنا جميعا مسحة ليكون كل واحد منا ملكاً وكاهناً ونبياً، ملكاً من حيث تنعمنا بالملكوت، وكهنة إذ نقدم أجسادنا ذبيحة (رو ١:١٢)، وأنبياء إذ يعلن لنا ما لم تره عين وما لم تسمع بي أذن (١كو ٩:٢).
يوضح القديس أمبروسيوس أن طالب العماد يتمتع خلال المسحة بكهنوت روحي وملكوت روحي.
هنا يجب التمييز بين الملكوت الروحي والملكوت التدبيري الزمني، لذا نخضع للرؤساء والملوك، كما يجب التمييز بين الكهنوت الذي يُوهَب للعمل السرائري الرعوي والكهنوت العلماني الذي يوُهَب لجمعيع المؤمنين .
يرى البعض أن في مسح داود داود ملكاً على بيت يهوذا (٢صم ٤:٢) بواسطة رجال يهوذا كشفاً لنقطة ضعف اتسم بها سبط يهوذا إلا وهو ميله نحو الانعزالية والانفراد عن بقية الأسباط مما سبب متاعب كثيرة فيما بعد وانقسامات في الشعب، بل وانقسمت المملكة إلى اثنين: مملكة اسرائيل (١٠ أسباط) ومملكة يهوذا (يهوذا وبنيامين) إلى أيام السبي.
هذا ويُلاحظ أن داود مُسح ملكاً ثلاث مرات:
‌أ. سراً في بيت أبيه (١ صم ١٣:١٦).
‌ب. مسحه على بيت يهوذا ْ٢ صم ٤:٢).
‌ج. مسحه على كل اسرائيل (٢ صم ٣:٥).
ما حدث مع داود يرمز لما تم للسيد المسيح بكونه ملك الملوك، إذ مرّ ملكوته بمراحل ثلاث:
‌د. منذ الأزل هو الإبن الوحيد الجنس، ملك الملوك (١تي ١٥:٦؛ رؤ ١٤:١٧؛ ١٩:١٦).
‌ه. ملك خلال الرمز والظل على رجال العهد القديم كما على بيت يهوذا (مت ٥:٢١).
‌و. ملك ولا زال يملك على كنيستة "اسرائيل الله" الممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها، إذ قيل "للرب الأرض وملؤها" (١كو ٢٦:١٠؛ مز ١:٢٤).
٢ – داود يمتدح أهل يابيش
أول عمل قام به داود بعد مسحه ملكاً على بيت يهوذا هو اهتمامه بمن قاموا بدفن شاول ويوناثان. لقد عرف أنهم أهل بيت يابيش جلعاد فأرسل إليهم يمتدحهم قائلا لهم:
"مباركون أنتم في الرب ...
والآن ليصنع الرب معكم إحساناً وحقاً،
وأنا أيضاً أفعل معكم هذا الخير ...
والآن فلتتشدد أيديكم وكونوا ذوي بأس، لأنه قد مات سيدكم شاول وإياي مسح بيت يهوذا ملكاً عليكم" (٢صم ٢: ٥-٧).
هذا التصرف من جانب داود كبكر أعماله الملوكية يستحق الدراسة والاهتمام:
‌ز. بدأ عمله الملوكي بتقديم البركة: "مباركون أنتم من الرب"، فإنه ما أجمل أن يبدأ الإنسان حياته الإيمانية (الملوكية) بالكلمات العذبة وتشجيع الغير عوض السلبيات والهجوم.
‌ح. لم يقف عمله عند المديح، ولا عند طلب المكافأة لهم من قبل الرب، وإنما أن يقدم هو أيضاً مكافأة من جانبه.
‌أ. أدرك داود أمانتهم وإخلاصهم لشاول فاشتاق أن يستخدم ذات طاقتهم لبنيان مملكته. القائد الناجح هو الذي لا يمركز العمل فيه بل يعرف كيف يستخدم طاقات الكل فيقيم صفاً آخر.
٣ – أبنير يقيم أيشبوشث ملكا
أقام الله داود ملكاً حأث مسحه بيت يهوذا ليقيم في حبرون سبع سنوات ونصف (٢صم ١١:٢). بعدها ملكاً على جميع الأسباط. من الجانب الآخر انشغل أبنير رئيس جيش شاول في استرجاع بعض المدن التي فُقدت في معركة جلبوع؛ صار يجاهد لمدة خمس سنوات ونصف بعدها أقام إيشبوشث بن شاول ملكاً على اسرائيل (ما عدا سبط يهوذا)، وعبر به إلى محنايم كعاصمة للملكة. كان إيشبوشث إبن أربعين عاماً حين ملك وبقى ملكاً لمدة عامين في متاعب مستمرة.
كان أبنير يعلم ضعف شخصية إيشبوشث الذي لم يشترك في معركة جلبوع مع أبيه وأخوته؛ أو ربما هرب في ساعة الخطر من أرض المعركة. لكن أبنير أقامه ملكاً ليكون هو الحاكم العملي والتنفيذي؛ خاصة أنه ابن عم شاول (١صم ١٥:١٤)، يخاف من داود لئلا يطرده من منصبه كرئيس جيش.
عبر بإيشبوشث إلى محنايم كعاصمة. اسمها يعني "معسكرين" أو "محلتين" ، دعاها يعقوب هكذا. وقد جاءت على حدود تخم جاد ومنسي، تنقسم إلى حيين أحدهما لجاد والآخر لمنسي. وقد أعطى جاد قسمه لبني مراري فصارت مدينة ملجأ (يش ٣٨:٢١، ١أي ٨:٦). تقع شرق الأردن وشمال نهر يبوق. يرى البعض أنها كانت "خربة محنة" تبعد حوالي ميلين ونصف ميل شمال عجلون، وير البعض أنها "تلال ذهب".
٤ – أبنير يثير حرباً أهلية
بقي داود أميناً ومخلصاً لشاول ويوناثان، لم يفكر قط في اغتصاب العرش رغم مسحه ملكاً مرتين؛ مكتفياً أن يعمل وسط سبطه يهوذا، لكن أبنير إبن عم شاول أراد أن يخضع يهوذا لإيشبوشث فخرج ومعه رجال إيشبوشث من محنايم إلى جبعون، واضطر يوآب وعبيد داود أن يخرجوا أيضاً دون داود، والتقى الطرفان على بركة جبعون كل على جانب مقابل الآخر، تبعد حوالي خمسة أميال ونصف شمال أورشليم [جبعون تدعى حالياً قرية الجيب].
يبدو أن رجال كل طرف من الطرفين لم يستريحوا لمقاتلة إخوتهم ... ولو ترك الأمر هكذا لرجع الطرفان كما قال يوآب فيما بعد لأبنير (١صم ١٣:٢) ولم يتأهبوا للقتال. أراد أبنير أن يلهب الجو فطلب أن يتقاتل بعض الغلمان. قام ١٢ غلاماً من كل طرف، فأمسك كل واحد برأس صاحبه وضرب سيفه في جنب صاحبه وسقط الأربعة وعشرون غلاماً، ودعي هذا الموضع "
حلقث هصوريم" أي "صقل السيوف".
أثار هذا المنظر الطرفين فقام الكل يتقاتلون، اونكسر أبنير ورجاله أمام عبيد داود.
٥ – أبنير يقتل عسائيل
هُزم أبنير ورجاله، فهرب، لكن عسائيل أراد أن يلحق به ويقتله، وكان رئيساً لأحدى فرق الجيش، خفيف الرجلين كالظبي لكنه لم يكن قوياً في الحرب كأخيه يوآب ولا كأبنير.
كلمة "عسائيل" معناها "الله عمل" . وهو ابن صروية أخت داود؛ أخو يوآب وايبشاي.
جرى وراء أبنير متكلاً على خفض رجليه وسرعته، وعلى قرابته لداود ويوآب متجاهلاً قلة خبرته في الحرب بانسبة لخصمه أبنير. ربما أخذه الحماس بعدما غلب أخوه يوآب أبنير، أن يلحق بالأخير ليضع فاصلاً للحرب ويسرع بتسليم خاله داود المُلك.
تطلع أبنير وراءه فشاهد عسائيل؛ لم يخشه إنما خشى خطورة الموقف. لقد أدرك أنه سيغلب عسائيل ويقتله لكن أخاه يوآب لن يهدأ حتى أنتقم لأخيه بقتل أبنير، وعندئذ يتحطم إيشبوشث وتنتقل الملكية تماماً من سبط بنيامين إلى يهوذا (داود الملك). التفت أبنير إلى الوراء وطلب من عسائيل أن يترك السعي وراءه ويميل يميناً أو يساراً بغلام ويسلبه كما يريد ولا يجري وراء القائد، لكن عسائيل رفض. كرر أبنير طلبه بل وتحذيره قائلاً: "مل من ورائي، لماذا أضربك إلى الأرض، فكيف أرفع وجهي لدى يوآب أخيك؟". في كبرياء أصرَّ عسائيل أن يلاحقه فضربه أبنير ضربة خفيفة كي لا يقتله، أي ضربة بخلف الرمح، مع ذلك دخل الرمح في بطنه وخرج من خلفه، وسقط ميتاً. إذ كان الجميع يحبونه هو وأخاه يوآب، كان كل من يأتي إلى الموضع الذي سقط فيه يقف.
٦ – سعي يوآب وراء أبنير
سعى يوآب وأبيشاي وراء أبنير لينتقما لأخيهما عسائيل حتى الغروب عندما جاء أبنير إلى تل أمة الذي تجاه جيح.
اجتمع بنو بنيامين الذين كانوا يطلبون نجاح إيشبوشث وقائده أبنير، واستعدوا لمقاومة يوآب. فنادي أبنير يوآب، وقال له: "هل إلى الأبد يأكل السيف؟! ألم تعلم أنها تكون مرارة في الأخير؟! فحتى متى لا تقول للشعب أن يرجعوا من وراء إخوتهم؟َ" (٢صم ٢٦:٢). هكذا شعر أبنير أن القتال لن يتوقف والخراب سيحل بالجميع لذا طلب من يوآب أن يرجع هو ورجاله عن مقاتلة إخوتهم.
أجابه يوآب محملاً مسئولية ما حدث، فإنه لم يتكلم عند بركة جبعون لا تقاتل الأربعة وعشرون غلاماً، وبالتالي لرجع رجال الطرفين كل إلى بيته.
ضرب يوآب البوق وتوقف الحرب، وأحصي القتلى فكانوا ١٩ من عبيد داود وعسائيل، ٣٦٠ من رجال أبنير. هذا العدد يعتبر صغيراً جداً، يكشف أنه لم تجتمع أعداد ضخمة من الجانبين للحرب، وأن الشعب لم يحب مقاتلة بعضهم البعضص. أما قبول يوآب وقف الحرب بالرغم من قتل أخيه، إنما لأنه يدرك ما في قلب خاله داود الملك، إنه لا يسعى ليملك بمقاتلة إخوته، إنما ينتظر عمل الله الهادئ.
دفن القتلى في أرض المعركة، أما عسائيل فدفن في بيت لحم في مقبرة أبيه (٢صم ٣٢:٢).



قاموس الكلمات:-
حلقث هصوريم
- حقل السيوف.
بزج الرمح- كعب الرمح.
ايشبوشت- رحل العار.
امّه- عظم السند (مثباس،ذراع).
اشوريون- اسم من خطوه.
الأصحاح الثالث – أبنير ينضم إلى داود
إذ ملك داود على بيت يهوذا بقي خمس سنوات ونصفاً في ملكه لا يتحرك قط لإخضاع بقية الأسباط، إنما غالباً ما كرَّس حياته لحياة العبادة والتقوى مع تدبير أمور هذه المملكة الصغيرة. وحينما تحرك أبنير ليقيم إيشبوشث من بيت شاول ملكاً على بقية الأسباط بقي داود أميناً في وعده لشاول ويوناثان فلم يهاجم إيشبوشث بالرغم من ضعف شخصيته وقدراته. أخذ إيشبوشث موقف الهجوم يثيره في ذلك أبنير رئيس جيشه الذي كان يحرك الملك كيفما يشاء وداود في هدوء لم يتحرك. وحينما اضطر للدفاع عن نفسه أرسل يوآب على مضض لا للهجوم وإنما للدفاع. لم يبق الحال طويلاً فبعد سنتين تقريباً أو أقل قليلاً انقلب أبنير على إيشبوشث وأقام عهداً مع داود ليسلمه كل بقية الأسباط، وداود في موضعه يمارس الصمت متأملاً عمل الله الفائق.
١ - حرب بين بيت شاول وبين داود ١-٦
٢ - أبنير يقاوم إيشبوشث ٧-١١
٣ - إقامة عهد بين أبنير وداود ١٢-٢١
٤ – يوآب يغدر بأبنير ٢٢-٣٠
٥ – داود يحزن على أبنير ٣١-٣٩

١ – حرب بين بيت شاول وبين داود
إذ ملّك أبنير نسيب شاول إيشبوشث على اسرائيل (ما عدا سبط يهوذا) بقى داود صامتاً ينتظر يد الله ومواعيده الأمينة والصادقة، فإنه لم يسع نحو إخضاع الأسباط تحت حكمه ولا مقاومة الملك الجديد. بدأ إيشبوشث حربه بتحريض وقيادة أبنير الذي كان يصر على أن يبقى المُلك في يد شاول بالرغم من إدراكه إن الله حلف لداود أن يهبه المُلك (٢صم ٣: ١٠، ١١).
كانت الحرب طويلة بين بيت شاول وبيت داود على عدم مقاومة الملك أو الإساءة إلى بيت شاول. خلال هذه الحرب التي استمرت حوالي عامين تعلم داود الصبر وانتظار تحقيق مواعيد الله بإيمان وثقة، فكان يتشدد ويتقوى بالرب بينما يضعف عدوه وينهار. قيل: "وكانت الحرب طويلة بين بيت شاول وبيت داود، وكان داود يذهب يتقوى وبيت شاول يذهب يضعف" (٢صم ١:٣). خلال هذه الفترة كان الله يعمل وسط شعبه ليجتذبهم تدريجيا نحو داود لا خلال القهر والإلزام بل خلال حياته المقدسة الهادئة.
ماأحوج أولاد الله إلى الدخول في المتاعب لكي يتجلى الرب فيهم، ويعلن ذاته خلال غلبتهم ونصرتهم الداخلية. مع كل ضيقة تتنقى أعماقنا، وينكشف نور الرب فينا، فنكسب الكثيرين لحساب ملكوته المفرح. يقول القديس بطرس الرسول: "إن عُيّرتم باسم المسيح فطوبى لكم، لأن روح المجد والله يحل عليكم" (١بط ١٤:٤). وكأنه وسط الآلام نتمتع بروح المجد ويُعلن الله الحالّ فينا.
يقول القديس كبريانوس: [أراد الرب أن نفرح ونمتلئ بهجة في الضيقات (لو ٦: ٢٢، ٢٣)، لأنه حيث توجد اضطهادات تُعطى أكاليل الإيمان ويتزكى جنود المسيح وتنفتح السموات ].
كثيراً مانشتهي أن نملك سريعاً لكن الله يريدنا أن تجتاز طريق الآلام والضيق لكي ننعم بمجد الرب داخلنا خلال شركتنا معه في آلامه ... إننا نتعجل الأمور لكن الله يعرف كيف يقودنا بحكمته العلوية نحو المجد خلال الألم.
نعود إلى داود الذي بقى في حبرون يملك على يهوذا وحده غير منشغل بالسلطة والعظمة بل بالحياة المقدسة.
أنجب ستة أولاد:
أمنون البكر، الذي ارتكب الشر مع أخته (٢صم ١٣) كثمرة لما فعله داود مع امرأة أوريا الحثي (٢صم ١١، ١٢)، وقد مات في حياة داود.
كيلاب من أبيجابل، اسمه الأصلي دانيئيل (١أي ١:٣)، غالبا مات في أواخر حياة داود.
أبشالوم
: انشق على والده فيما بعد، وكان سبب مرارة له؛ قتل في حياة والده.
أدونيا: طلب الخلافة بعد موت أبيه بكونه أكبر أبناء الملك الأحياء (١مل ٥:١).
يثرعام ...
٢ – أبنير يقاوم إيشبوشث
كان داود يملك على القليل (سبط واحد) وإيشبوشث يملك على الكثير (بقية الأسباط)، لكن داود حمل مجده في داخله خلال إيمانه بالله العامل فيه، أما إيشبوشث فارتكزت قوته على أبنير نسيبه ورئيس جيشه، لذا كان الأول يزداد مجداً من يوم إلى يوم والثاني يزداد انهياراً من وقت إلى آخر. كان الأول متكئا على الله يسلك بمشورة إلهية والثاني يتكئ على ذراع بشر بمشورة إنسانية.
جاهد أبنير سنوات طويلة في أيام شاول لكنه لم يقدر أن ينقذ حياة شاول أو حياة أولاده، وبقى خمس سنوات ونصفاً يحاول ضم المدن التي استولى عليها الأعداء ليعد الطريق لإيشبوشث، وهاهو إيشبوشث يملك على اسرائيل ... لكن سرعان ماينقلب أبنير عليه!
دخل أبنير على سُرِّية شاول فعاتبه إيشبوشث الضعيف الشخصية بعنف، ليس دفاعاً عن الحياة المقدسة وإنما لأنه حسب أنه بذلك يريد أن ينسب المُلك إلى نفسه. لم يقبل أبنير هذا العتاب لأنه هو الذي أقامه ملكاً. في عنف وبخ الملك قائلاً: "العلي رأس كلب ليهوذا؟! اليوم أصنع معروفاً مع بيت شاول أبيك مع إخوته ومع أصحابه ولم أسلمك ليد داود وتطالبني بإثم امرأة؟!. قال هذا ربما لأن إيشبوشث اتهمه بالخيانة كأنه متفق مع يهوذا سراً على هذا التصرف. ربما رأى أبنير داود يتقوى ويتعظم في أعين الكثيرين بينما إيشبوشث يضعف، فاستغل الفرصة ليترك الملك وينحاز لداود. لقد ادرك أنه كان يقاوم مشيئة الله بمحاربته داود، إذ قال لإيشبوشث: "كما حلف الرب لداود كذلك أصنع له. لنقل المملكة من بيت شاول وإقامة كرسي داود على اسرائيل وعل يهوذا من دان إلى بئر سبع" (أي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب). لم يقدر إيشبوشث أن يجيبه لأنه كان ضعيف الشخصية أمامه وأمام نفسه كما أمام الشعب.
كان أبنير معتداً بذاته فقد أعاد الكثير من البلدان إلى اسرائيل في وقت خلا فيه عرش اسرائيل من ملك اللهم إلا سبط يهوذا الذي ملك عليه داود؛ أقام إيشبوشث ملكاً وأيضاً حطمه، والآن في حديثه يظن أنه قادر أن يصنع هذا مع داود أي يقيمه ملكاً وبالتالي يقدر أن يعزله ... لكنه لم يدرك أنه قبلما يتحقق صسح داود ملكاً على كل الأسباط يموت أبنير. إنه يمثل الذراع البشري المتشامخ الذي يظن أنه قادر أن يقيم ملوكاً ويعزلهم، ولم يدرك أنه نسمة ضعيفة تُطلب في وقت لايدركه!
لعل داود الملك نال خلال علاقة إيشبوشث بأبنير، خبرة عملية واقعية تسنده كل أيام ملكه عَّبر عنها في مزاميره بقوله: "لا تتكلوا على الرؤساء، ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده، تخرج روحه فيعود إلى ترابه ... طوبى لمن إله يعقوب معينه ورجاءه على الرب إلهه" (مز ١٤٦: ٣-٥). "الاحتماء بالرب خير من التوكل على الرؤساء" (مز ٨:١١٨). يقول القديس جيروم: [يتكل كثيرون على رئيس (عظيم). اليوم هو موجود، غداً قد لا يكون موجوداً. في النهار يستعرض جيشاً أامامه، في الليل يرقد في قبره ... لنا معين واحد قادر أن يخلص ].
٣ – إقامة عهد بين أبنير وداود
لقد صمت إيشبوشث أمام تهديدات أبنير ولم ينطق بكلمة لأنه نال المُلك من يده لا من يد الله، معتمداً على ذراع بشر، أما أبنير فلم يكن محتاجاً إلى وقت للتفكير في الأمر، إذ يبدو أن فكرة التخلي عن إيشبوشث قد سيطرت عليه تماماً. لهذا "أرسل أبنير
من فوره رسلاً إلى داود قائلاً: لمن هي الأرض ؟! يقولون اقطع عهدك معي وهوذا يدي معك لرد جميع اسرائيل إليك" (٢صم ١٢:٣). هكذا يتعهد أبنير – خلال رسله – أن يرد جميع الأسباط إلى داود عن أن يقبله في خدمته ويعفو عن كل ما فعله من عصيان.
قبل داود الملك هذا العرض مشترطا لإقامة العهد أن تُرد إليه زوجته الأولى، ميكال ابنة شاول التي اعطاها والدها لفلطئيل بن لايش (١صم ٤٤:٢٥).
لماذا وضع داود هذا الشرط؟
يرى البعض أن داود طلبها ليس حباً فيها وإنما لأسباب سيساسية، وهو إبراز أنه أولاً وقبل كل شئ نسيب شاول الملك فينال أمام الأسباط نوعاً من الشرعية في تولي الملك. رأى آخرون في هذا التصرف ردَّا لكرامة داود الذي أُغتصبت زوجته وسُلمت لآخر.
ربما كان هذان السببان في ذهن داود الملك لكنني أظن أنهما ليسا سببين رئيسيين، إذ وجدت أسباب أخرى جوهرية في ذهن هذا الطوباوي.
لقد أراد أولاً أن يؤكد لا لأبنير ولا لإيشبوشث بل لكل الأسباط أنه ليس متلهفا على تولي العرش كتمتع بالسلطة والكرامة الزمنية. فأنه كان يستطيع أن يقبل العرض وبعد استلامه المُلك يطلب ميكال ولا يقف أحد أمامه، فيُحسب عنيفاً ومستغلاً لسلطته. إنما أراد داود أن يُبرز أنه أمين لزوجته ميكال التي أحبها، هذه الأمانة في نظره أولى من تسلمه المُلك. إن لم يكن أمينا مع زوجته فكيف يرعى هذا الشعب كله.
لقد أحبته ميكال وأنقذت حياته من يد أبيها (١صم ١١:١٩ الخ)، وها هو يعلن حبه لها كزوجة ولو على حساب استلام المملكة.
القائد الناجح هو ذاك الذي يهتم بحياته الداخلية وأعماقه المخفية كما ببيته وأسرته فيكون أميناً في حبه لمن هم تحت قيادته أو رعايته. يقول القديس بولس الرسول: "إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله؟!" (١تي ٥:٣).
من مارس الحب في بيته ومع خاصته وأصدقائه يعرف مفهوم الرعاية خلال خبرة الحب، فيقول مع القديس يوحنا الذهبي الفم: [إني أب مملوء حنواً ]، [ليس شئ أحب إليّ أكثر منكم ].
هكذا نحيي في داود النبي هذه الروح العميقة التي تكشف عن قدسية حياته الداخلية وتقديره لزوجته وعدم تلهفه على نوال كرامة زمنية.
طلب أبنير من إيشبوشث أن يرد لداود ميكال زوجته بكونه الملك وأيضاً أخاها؛ ربما كان ذلك بعلم أبنير وتدبيره. لم يقدر إيشبوشث أن يقاوم بل أخذها من عند رجلها وأرسلها، وكان رجلها يسير معها ويبكي وراءها إلى بحوريم.
"بحوريم" تعني "شباب "، مكانها الحالي رأس التميم، شمال شرق جبل الزيتون ، على الطريق من أورشليم إلى الأردن (٢صم ٥:١٦)، عندها سبَّ شمعي داود أثناء هروبه من وجه أبشالوم، وفيها اختبأ يوناثان وأخيمعص (٢صم ١٨:١٧).
٤ – يوآب يغدر بأبنير
كنا نتوقع من داود النبي والملك أن يتحرك فرحاً ليستغل الفرصة ليجمع الأسباط تحت سلطته، لكن ما حدث أنه وقف في حب وثقة بالله يتأمل عمل الله معه، فكان المتحرك هو أبنير، إذ بادر بالوفاء بوعده، متحدثاً مع شيوخ اسرائيل عن إقامة داود ملكاً كطلبهم السابق وتحقيقاً لمشيئة الله. تحدث أيضاً في مسامع بنيامين بلا خوف؛ سمعوا له بكونه واحداً منهم وأكثرهم قوة وشجاعة وإخلاصاً لشاول، إذ حسبوه أنه قد يئس من إيشبوشث.
يبدو من حديث أبنير مع الشيوخ أن الأسباط سبق أن طلبوا داود ملكاً (٢صم ١٧:٣)، لكن أبنير نفسه قاومهم ليثبت كرسي شاول حتى يئس أخيراً من إيشبوشث.
أخذ أبنير عشرين رجلاً من شيوخ الأسباط، وانطلقوا إلى داود الذي أقام لهم وليمة علامة على الاتحاد وإقامة عهد معهم.
تأثر أبنير بلقاء داود مع العشرين شيخاً لذا طلب من داود أن يسمح له بالذهاب إلى الأسباط لتدبير الأمور الخاصة بتجليسه رسمياً ملكاً (١أي ١١: ١-٣).
عاد يوآب مع رجاله من الحرب وسمع بما تم بين داود وأبنير فثارت ثائرته، ربما لأنه كان يخشى أن يحتل أبنير مركزه. لقد انتهر داود الملك متهما أبنير أنه جاسوس جاء ليخدع الملك حتى يخرج ويثير الأسباط لمحاربته، أما داود فصمت ليس خوفاً من يوآب كما صمت إيشبوشث أمام أبنير، وإنما استخفافاً بفكر يوآب، وتصرفاته المتهورة في مواقف كثيرة.
أرسل يوآب إلى أبنير يريده متظاهراً أنه يود (هو أو الملك) مباحثه في بعض الأمور، ولم يكن داود يعلم بما فعله يوآب (٢صم ٢٦:٣). عاد أبنير من بئر السيرة إلى حبرون؛ يرى يوسيفوس المؤرخ أن المسافة بينهما تبلغ حوالي ميلين ونصف.
تظاهر يوآب أنه يود الحديث مع أبنير سراً، وإذ مال إليه اغتاله انتقاماً لأخيه عسائيل، ولأنه خشي أن يحتل مركزه كرئيس جيش داود.
لم يكن لائقاً برجل حرب كيوآب أن يقتل إنساناً ائتمنه على نفسه وجاءه يتفاوض معه، إنما كان يجب أن يصارحه ويبارزه إن أراد ... فقد أوصى موسى الشعب. "ملعون من يقتل قريبه في الخفاء" (تث ٢٤:٢٧).
٥ – داود يحزن على أبنير
كم كان داود شهماً ونبيلاً عندما أعلن رسمياً وشخصياً براءته من قتل أبنير ورفضه هذا الغدر من جانب يوآب، معلناً للجميع أن ماصنعه يوآب لايليق برجل إيمان ولا برجل حرب وأن تأديب الرب سيحل به (٢صم ٢٩:٣).
أعلن داود رأيه رسمياً بسيرة وراء نعش أبنير وطلبه من الشعب أن يمزقوا ثيابهم ويتنطقوا بالمسوح ويلطموا أمام جثمان أبنير، كما أعلن عن براءته من قتل أبنير بسلوكه الشخصي فقد بكى عليه وصام النهار كله. لقد تأثر الشعب جداً وبكوا معه. نسي داود أن أبنير عدوه الذي كان يثير الحرب بينه وبين إيشبوشث وتذكر أنه قائد عظيم كان يمكن الانتفاع منه في محاربة الوثنيين.
في مرثاته قال: "هل كموت أحمق يموت أبنير؟! يداك لم تكونا مربوطتين ورجلاك لم توضعا في سلاسل نحاس. كالسقوط أمام بني الإثم سقطت" (٢صم ٣: ٣٣، ٣٤). كأنه يسأل: هل مات أبنير كأحمق إذ ائتمن نفسه لدى الغادر يوآب؟ إنه لم يمت في حرب لضعيف إذ كان قادراً على القتال، ولم تكن يداه مربوطتين ولا رجلاه مقيدتين، لكنه بالخيانة سقط أمام بني الإثم: يوآب وأبيشاي. لم يمت أيضاً كأحمق في خيانة ...


قاموس الكلمات:-
من فوره
- حالا، على وجه السرعة.
سرية- سرية عند اليهود زوجة ثانية أقل مرتبة من الزوجة الأولى صاحبة الدار..
ادونيا- سيدي يهوه.
ابطال- أبو الندى.

أبشالوم
- الأب سلام.
الإصحاح الرابع – نهاية مملكة شاول
بقتل يوآب غدراً بيد يوآب انتهت مملكة شاول إذ كان إيشبوشث ملكاً صورياً، قتله أخوان "بَعْنة ورَكاب" غدراً وهو على سرير فراشه نائماً. ولم يبق وارثاً للملكة إلا مفيبوشث بن يوناثان، وكان أعرج يعجز عن تولي العرش.
١ - انهيار إيشبوشث ١
٢ - قتل إيشبوشث ٢-٨
٣ - الانتقام لإيشبوشث ٩-١٢

١ - انهيار إيشبوشث
"ولما سمع ابن شاول أن أبنير قد مات في حبرون ارتخت يداه وارتاع جميع اسرائيل (١صم ١:٤). عدم ذكر اسمه هو نوع من الاحتقار، فقد فقد إيشبوشث كرامته وقوته لأن مملكته قامت على أبنير الذي غدر به يوآب. خبر خيانة أبنير لإيشبوشث والغدر بأبنير حطم نفسية الملك الشكلي فارتخت يداه، بل وارتاع الشعب كله، فقد مات القائد الشجاع ولا يعرفون ماذا يفعل بهم داود.
٢ – قتل إيشبوشث
غدر به بَعْنة ورَكاب ابنا رِمُّون من بئيروت التي للجبعونيين، من بني بنيامين (٢صم ٣:٤). هذان كانا في خدمة الملك، انتهزا الأحداث، وشعرا بانهيار الملك وتخلي الشعب عنه، فأرادا اللحاق بخدمة داود الملك بتقديم رأس منافسه إيشبوشث. هذان خانا الملك الذي أقامهما في البلاط للخدمة، بجانب أنهما من ذات سبطه، مما يجعل جريمتهما أكثر بشاعة.
يرى البعض أنهما في الأصل كنعانيين من الجبعونيين الذين قطع معهم يشوع بن نون عهداً (يش ٩) وأُعطيت مدنهم للبنياميين. يبدو أن البيئروتيين – من بينهم رِمُّون والد بَعنه ورَكاب – هربوا إلى جتَّايم عندما قتل شاول بعض الجبعونيين ليعطي أملاكهم للبنياميين. لهذا وإن كان هذان الأخان قد التحقا بخدمة ابن شاول لكنهما يحملان كراهية وبغضة نحو بيت شاول، عبَّرا عنها بقتل الملك. لقد دخلا بيته بحجة أنهما يطلبان حنطة وكان ذلك في وقت الظهيرة – مابين الساعة الثانية عشرة والثالثة بعد الظهر؛ وجدا الملك نائما في سريره فقطعا رأسه وجاءا بها إلى داود مقدمين تعليلاً لاهوتياً: "قد أعطى الرب لسيدي الملك انتقاماً في هذا اليوم من شاول ونسله" (٢صم ٨:٤).
"بَعْنة" معناها "ابن الضيق" أو "العناء" ، وركاب معناها "راكب" أو "فارس". "رِمُّون" معناها "شجرة رمان" ، "بئيروت" معناها "آبار" مدينه مبنية على سفح الأكمة التي كانت جبعون مبنية عليها، تفيض من سفحها مياة بغزارة، وهي تبعد حوالي عشرة أميال شمالي أورشليم، أدعى الآن "البيرة" .
بقتل إيشبوشث خلي الجو تماماً لداود إذ لم يعد من بيت شاول سوى مفيبوشث بن يوناثان، كان ابن خمس سنين حينما قُتل أباه وجده في الحرب، فحملته مربيته وهربت، وإذ كانت مسرعة وقع فانكسرت عظام رجليه والتحمت خطأ في غير موضعها فصار أعرج (٢صم ٤:٤)، غير قادر على تولي العرش لعجزه الجسدي ولصغر سنه (حوالي ١٣ سنة).
٣ – الانتقام لإيشبوشث
أكد داود للخائنين الشريرين أنه ليس في حاجة إلى عون الأشرار مثلهما بل هو متكل على الله الذي فدى نفسه (٢صم ٩:٤). إنه لم يستحسن قتل شاول ولا أبنير فكيف يقبل قتل رجل على سرير فراشه؟!
طلب الدم البرئ منهما، فقُطعت أياديهما التي قتلت والأرجل التي هربت، وعلقت جثتاهما على بركة حبرون حتى يدرك القادمون للاستقاء أن داود لا يملك خلال هرق دم برئ، وأنه لا يُسر بهذين الخائنين. إما رأس إيشبوشث فدفنت بتكريم في مقبرة أبنير في حبرون.

قاموس الكلمات:-
اعطيته بشارة- اعطيته مكافأة ما أخبرنى به.
الأصحاح الخامس – مسح داود ملكاً
أخيراً مُسح داود ملكاً على جميع الأسباط في الوقت المناسب، بعد أن تعلم في السنوات الماضية حياة الجهاد بلا ملل، والاتضاع فلا يطلب لنفسه مجداً زمنياً، والحب فلا ينتقم لنفسه.
لقد مارس داود أعمال محبة تسندها مشاعر صادقة فملك وغلب بالرغم من مقاومة الأعداء له.
١- مسح داود ملكا ً ١-٥
٢- نصرته على اليبوسيين ٦-١٠
٣- صداقة حيرام له ١١
٤- تثبيت مملكته ١٢-١٦
٥- مقاومة الأعداء ١٧-٢٥

١ – مسح داود ملكاً
هذه هي المرة الثالثة التي فيها مُسح داود ملكاً حيث خضع الكل له. لقد حان الوقت لتوليةالملك باختيار له وإجماع الشعب عليه. جاء إليه الشيوخ: "هوذا عظمك ولحملك نحن. ومنذ أمس وماقبله حين كان شاول ملكاً علينا قد كنت أنت تُخرج وتُدخل اسرائيل، وقد قال لك الرب: "أنت ترعى شعبي اسرائيل وأنت تكون رئيساً على اسرائيل" (٢صم ٥: ١-٢).
لقد تدرب داود على الجهاد والحب، عرف كيف يقاوم حسد شاول بسماحةٍ في أدب ورقة، وكيف يقابل موت شاول وأبنير و إيشبوشث بغير شماته إنما بنبل وحب يرثيهم وينتقم لكل دم برئ. قَبِل مشورة أبيجابل الحكيمة بفرح عندما طلبت منه إلا ينتقم لنفسه إذ ينتظر الكل منه أن يعطى ويبذل لا أن يطلب ما لنفسه ... بهذه الروح التي عاشها لسنوات طويلة وخبرات متلاحقة في الرب قابل الشيوخ في حبرون بمحبة، دون أن يعاتبهم بكلمة أو يحمل مشاعر ضيق تجاههم. لم يقل لهم: "ما دُمت من عظمكم ولحمكم، ما دُمت كنت سبب غلبة لاسرائيل، وما دام الله أقامني راعياً ورئيساً، فلماذا طاردتموني طوال هذه السنين ولم تدافعوا عني أمام شاول المرفوض، ولماذا بقيتم بلا ملك أكثر من خمس سنوات حتى ملّك أبنير إيشبوشث عليكم وتجاهلتم وجودي في حبرون؟!"
لقد كان داود رمزاً للملك الحقيقي رب المجد يسوع، الذي مُسح أزلياً ليملك، لكنه جاء في ملء الزمان يسلك طريق الصليب في اتضاع، صالحنا ونحن بعد أعداء (رو ١٠:٥) دون أن يجرح مشاعرنا بسبب جحودنا السابق أو مقاومتنا له. إنه في رقة الحب الحقيقي يقرع باب القلب ليدخل ويملك إن فتحنا له بكامل حريتنا دون قهر أو إلزام من جانبه علينا!
أخيراً أدرك الشيوخ من هو داود وعلاقتهم به، قائلين: "هوذا عظمك ولحمك نحن". ونحن أيضاً نعتز بعلاتقتنا بابن داود مرددين كلمات الرسول بولس: "لأننا أعضاء جسمه من لحمه وعظامه" (أف ٣٠:٥)، "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح ... ؟!" (١كو ١٥:٦)، "وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً" (١كو ٢٧:١٢).
جاء كلمة الله متجسداً ليملك لا بالسلطة والإلزام، إنما بملكه فينا ليقيمنا جسده المقدس، فنصير أعضاءً فيه نحمل شركة طبيعته.
٢ – نصرته على اليبوسيين
كانت يبوس – إسم أورشليم في عهد اليبوسيين – تمثل مساحة صغيرة إن قونت بأورشليم في أيام سليمان . كانت تناسب أن تكون العاصمة لداود أكثر من حبرون، أولاً لأن موقعها منيع للغاية، فهي مرتفعة (مز ٢:٤٨)، حولها جبال (مز ٢:١٢٥) تحيط بها وديان عميقة من ثلاثة جوانب يبلغ عمق بعضها ٨٠٠ قدم؛ ثانياً لأنها على تخم يهوذا وبنيامين فترضي السبطين (سبط يهوذا الذي خرج منه داود، وسبط بنيامين الذي يضم ببت شاول الملك).
أما اليبوسيين فهم قبيلة من الكنعانيين قبل دخول اسرائيل أرض الموعد (تك ١٦:١٠؛ ٢١:١٥؛ خر ٨:٣). أثناء الخروج كانوا قبيلة جبلية (عد ٢٩:١٣؛ يش ٣:١١). اتحدوا مع بعض الملوك ضد جبعون لأنها أقامت عهداً مع يشوع، لكن الأخير هزمهم وقتل ملكهم أدوني صادق (يش ١٠: ٢٣-٢٦)، وأعطى أرضهم لبنيامين (يش ٢٨:١٨)، بعد ذلك احتلها رجال يهوذا لأنها كانت على حدود تخمهم، وأحرقوها (يش ٨:١٥؛ قض ٨:١)، لكن اليبوسيين لم يفقدوا قلعتهم فيها كما يقول يوسيفوس ، وإنما سكنوا مع بني يهوذا وبنيامين كغرباء (يش ٣٦:١٥؛ قض ٢١:١؛ ١١:١٩)، بقوا فيها حتى بعدما أخذ داود حصنهم (٢صم ٢٤: ١٦-١٨؛ ٢أي ١:٣).
كان اليبوسيين واثقين أن داود لن يستطيع الاستيلاء على حصنهم بسبب مناعته، حتى لو كان من بداخله عمي وعرج، لذا في استخفاف قالوا له: "لا تدخل إلى هنا مالم تنزع العميان والعرج" (٢صم ٦:٥).
أعلن داود عن المكافأة لمن يضرب المدينة حتى يبلغ إلى القناة، أي إلى النفق تحت الأرض من الوادي إلى فوق، فإن من يبلغ القناة يدخل الحصن، لم يذكر ماهي لأنها لا تحتاج إلى ذكر، إذ عني أن يصير المنتصر "رأساً وقائداً" (١أي ٦:١١)؛ وقد حقيقة يوآب ابن صروية ذلك.
دخل يوآب المدينة وصار رأساً (١أي ٦:١١)، وسكن داود ورجاله القلعة أو الحصن ودعاه "مدينة داود".
يلاحظ في استيلاء داود على يبوس الآتي:
‌أ. أراد اليبوسييون أن يسخروا منه فقالوا: "لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج" (٢صم ٦:٥)، وكان القصد بذلك أنه لن يدخلها قط؛ لكنه إذ دخلها صار المثل: "لا يدخل البيت أعمى ولا أعرج" (٢صم ٨:٥). مبعنى آخر قال سكان يبوس انهم حتى إن كانوا عمياناً وعرجاً فلن يقدر داود الملك بكل جيشه أن يحتل مدينتهم؛ لكنه إذ استولى عليها يقول: لم يعد بالمدينة أعمى أو أعرج، لا بمعنى أنه منع دخول أي أعمى أو أعرج، وإنما إعلاناً رمزياً عن قوة رجاله وحكمتهم أن جميعهم مبصرون وقادرون على السير. ما حدث مع داود كان رمزاً لما تحقق مع ابن داود، فقد كان العالم قد احتله عدو الخير زماناً حتى دُعي "رئيس هذا العالم" (يو ٣٠:١٤)، فصار العالم أسيراً تحت قدميه [يبوس تعني مدوساً تحت الأقدام]، وكانت البشرية أشبه بالعمي والعرج، انطمست أعنيهم الداخلية عن معاينة ملكوت السموات وعجزت أقدامهم الداخلية عن السير في الطريق الملوكي ... مع هذا فقد ظن هؤلاء العمي والعرج أنهم محصنون لن يقدر ابن داود أن يقيم ملكوته في حياة البشرية. دخل ابن داود يبوس – أي العالم – وأقام بالصليب ملكوته محتلاً القلوب التي سبق فملك عليها عدو الخير، ونزع عنها كل عَمى للبصيرة وكل عَجز عن الحركة، فصار المؤمنون الحقيقيون مبصرين تسرع أقدامهم نحو السموات، ليس بينهم أعمى أو أعرج روحياً.
‌ب. إذ استولى داود على يبوس وجعل منها مدينته الخاصة، تحمل إسمه، قيل: "وبني داود مستديراً من القلعة فداخلاً" (٢صم ٩:٥). ماذا تعني الاستدارة إلا أن المدينة صارت كما في شكل دائرة ليس لها نقطة بداية ولا نقطة نهاية، بمعنى أنها حملت سمة جديدة هي الارتفاع فوق الزمن لتصير مدينة سماوية خالدة لا يقدر الموت أن يُنهي كيانها. هذه هي كنيسة العهد الجديد التي كانت مدوسة بالأقدام (يبوساً) صار بعريسها السماوي وملكها ابن داود سماوية. وكما يقول القديس بولس "أجلسنا معه في السماويات" (أف ٦:٢). ويقول القديس اكلميندس الاسكندري إن الأرض تصير بالنسبة للمؤمن صاحب المعرفة الروحية (الغنوسي) سماءً.
ليت ابن داود يحتل يبوسنا الداخلية فيجعل منها مدينة داود، مدينته الخاصة المستديرة أو السماوية، طارداً عنها كل عمى للبصيرة وفالج للأقدام.
‌ج. ختم حديثه هنا بالقول: "فكان داود يتزايد متعظماً والرب إله الجنود معه" (٢صم ١٠:٥). كان داود يتزايد في العظمة ليس لأنه احتل حصن يبوس المنيع وإنما بالحري لأن الرب "إله الجنود" معه. هنا يُدعى الرب "إله الجنود" وكأنه هو القائد الحقيقي لشعبه وهو المحارب عنهم ليهبهم النصرة والمجد. هذه هي خبرة داود النبي التي عبَّر عنها في مزاميره، فجاء فيها:
"الرب نوري وخلاصي ممن أخاف؟! الرب حصن حياتي ممن أرتعب؟! (مز ١:٢٧).
"إنما هو صخرتي وخلاصي ملجأي فلا أتزعزع. على الله خلاصي ومجدي صخرة قوتي محتماي في الله" (مز ٦٢: ٥، ٦).
يقول القديس أغسطينوس: [يعطيني الرب كلا من معرفة ذاته و الخلاص، فمن يقدر أن يأخذني منه؟! ... يبدد الرب كل هجمات عدوي وشباكه فلا أخاف أحداً ]. هذا هو سر مجدنا غير المنقطع!
٣ – صداقة حيرام له
مع كل نصرة حقيقية يواجه المؤمن أمرين: مقاومة العدو تؤول به إلى نصرة جديدة، وأيضاً انجذاب البعض لله العامل فيه. هكذا إذ تزايد داود متعاظما لأن رب الجنود كان معه أثار ذلك بعض الأعداء لمقاومته بالأكثر، و في نفس الوقت انجذبت إليه بعض الممالك المجاورة تمجد الله فيه، كما يظهر ذلك من تصرف حيرام ملك صور.
كانت صور في ذلك الوقت قد بلغت العظمة، بعث ملكها رسلاً إلى داود وتكونت بينهما صداقة دامت حتي أيام سليمان، بل وقامت هذه الصداقة بين الدولتين في أيام عاموس النبي (عا ٩:١).
أدرك حيرام أن داود يحتاج إلى حركة إنشاء وتعمير بعد الانتصارات المستمرة التي تحققت في عهده، لذا أرسل إليه الكثير من خشب الأرز الذي ال يسوِّس كما أرسل إليه بنائين (٢صم ١١:٥). تعاونت المملكتان معاً وصارتا في وِدّ، كانت اسرائيل تستخدم صور كبلد ساحلي لتحقيق واردتها وتوزيع مصنوعاتها، بينما استخدمت صور ممكة اسرائيل لطريق لتجارتها تشتري أيضاً منها الغلال والمحاصيل.
سلامنا مع الله في داخلنا يثمر سلاماً مع الغير ويحول الظروف المحيطة بنا لخدمتنا وبنياننا، حتى مقاومة الأشرار يحولها الله لنمونا وفرحنا الداخلي.
أقول ماأحوجنا في علاجنا لمشاكلنا – أيّا كانت – إلى أن نبدأ بالداخل على ضوء عمل الله فينا، عندئذ تعمل نعمة الله فينا وبنا لدفع كل الأمور لخيرنا، فنقول مع الرسول بولس: "كل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رو ٢٨:٨).
٤ – تثبيت مملكته
بعد حوالي ٢٠ عاماً من مسحه سراً في بيت لحم قيل: "وعلم داود أن الرب قد أثبته ملكاً على اسرائيل، وأنه قد رفّع ملكه من أجل شعبه اسرائيل" (٢صم ١٢:٥).
انتظر داود هذه السنوات الطويلة في إيمان وبصبر ليتدرب بنعمة الله على رعاية شعب الله، والآن يثبت الله مملكته من أجل شعبه. هكذا يليق بنا – مهما بلغت مواهبنا وقدراتنا ومهما تعاظم نجاحنا – أن ندرك أنها عطايا إلهية قُدمت لنا من أجل بنيان الجماعة المقدسة.
من أجل البشرية تجسد السيد المسيح ومن إجلها ملك على خشبة وقام وصعد إلى السموات ومن أجلها يأتي على السحاب ليجمع مؤمنيه ويرفعهم إلى حضن الآب. هكذا نحن كأعضاء جسده يليق بنا أن نحمل دات فكره فنضرم كل موهبة فينا لبنيان الغير. يقول القديس بولس: " المحبة ... لا تطلب ما لنفسها" (١كو ٥:١٣).
٥ – مقاومة الأعداء
إن نجاح داود أعطاه نعمة في عيني حيرام ملك صور ليرسل له خشب أرز وبنائين علامة الصداقة العملية إلا أنه في الجانب المقابل، ضاعف نجاحه هذا من مقاومة الأعداء. مع كل نصرة نتوقع حرباً إن لم تكن من الخارج فمن الداخل، لذا قيل في سفر ابن سيراخ: "يا بني إذا تقدمت لخدمة الرب أعدد نفسك للتجربة" (١:٢).
رأى الأعداء في مسح داود ملكاً على كل الأسباط وتزايده في المجد خطراً عليهم خاصة أن الشعب كله صار بقلب واحد معه. لم يخشونه في حبرون لكونه ملكاً على سبط واحد فاستهانوا به، ولأنه في حبرون كان خاضعا لهم. أما في يبوس فصار مستقلاً ومحصناً وصار نجمه يلمع ويتلألأ. لذا فتشوا عليه للخلاص منه. أما هو فلم يكن متوقعاً الحرب لذا نزل مع حرسه الخاص إلى حصنه القديم "عدلام". فتش عنه الأعداء المنتشرون في وادي الرفائيين [موقعه مجهول إلا أنه كان بين بيت لحم وأورشليم (يش ٨:١٥) ومشهوراً بالخصب (إش ٥:١٧)].
في الحصن انحاز إليه بنو جاد (أي ١٢: ٨-١٥) وكان العدد قليلاً جداً إن قورن بجيش الأعداء. سأل الرب خلال أبياثار الكاهن (١صم ١١:٢٣؛ ٣٠: ٧، ٨) الذي سمح له بالحرب. جاء إلى بعل فراحيم (أي إله أو سيد الهزيمات، وهو مكان مرتفع شمال وادي الرفائيين، وهو جبل فراصيم المذكور في إش ١١:٢٨].
ماأحوجنا أن نتكل على راعي نفوسنا الذي يتقدم قطيعه ليسير الكل وراءه ومعه، قائلين مع المرتل: "جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز ٨:١٦). يقول القديس أغسطينوس [إنه يُنعم عليَّ (بذاته) فأسكن فيه بثبات ].
جاء داود برجاله ليقف وراء العدو ويقاومه مقابل أشجار
البكاء عندما شعر بحضرة الرب وتقدمه ليحمله في طريق الجهاد، واهباً له النصرة بنعمته. وكأننا إن أردنا حياة الغلبه على عدو الخير يلزمنا أن ننزل إلى وادي البكاء والدموع لنلتقي بالله عزنا. فنسمع المرتل يقول: "طوبى لأناس عزهم بك ... عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً ... يذهبون من قوة إلى قوة، يُرون قدام الله في صهيون" (مز ٨٤: ٥-٧).
يقول القديس جيروم: [لنتأمل للحظة أننا في هذا الوادي؛ لسنا على الجبل، لسنا في جنة عدن، لسنا على مرتفعات الفردوس، إنما نحن في أسافل الأرض، على الأرض التي خضعت للَّعنة وتُنتج شوكاً وحسكاً ... مادمنا في وادي الدموع يليق بنا إلا نضحك بل نبكي. يقول الرب "طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون" (لو ٢١:٦). الآن نحن في وادي الدموع، هذا العالم موضع للبكاء لا للتهليل ... العالم المقبل هو عالم الفرح ... وادي الدموع هو ساحة للجهاد والمثابرة ].
نزل داود ورجاله إلى وادي الدموع لكي يتقبل نعمة الله المجانية أكثر فأكثر، فينطلق من قوة إلى قوة، إذ ضرب الأعداء من جبْع إلى مدخل جازَر (١صم ٢٥:٥). في وادي الدموع انفتحت بصيرته ليرى الله يتقدمه ممهداً له طريق النصرة، ومحطماً العدو أمامه. وكأن الحضرة الإلهية التي تملأنا تعزية وسط الدموع، ترعب العدو وتحطمه تماماً.
كلمة "جبع" معناها "تل" ، وهي مدينة في بنيامين (يش ٢٤:١٨)، خصصت للكهنة (يش ١٧:٢١)، مقابل مخماس؛ حالياً قرية "جبع" تحمل دات الإسم القديم وتبعد ٦ أميال شمال شرقي أورشليم. هذا يعني أن الأعداء هربو تجاه الشمال الشرقي و ليس نحو أرضهم في الغرب لكي يحتموا في الحصن الموجود في جبع (١صم ٣:١٣). وإذ لم يحميهم هذا ساروا نحو أرضهم حتى جبعون (١أي ١٦:١٤)، منها ساروا في طريق عقبة بيت حورون (يش ١٠:١٠) إلى مدخل جازر أي طريق جازر [كلمة "جازر" معناها "نصيب" أو "مهر العروس"] وهي على تخم أرضهم وتبعد حوالي ١٨ ميلاً شمال غربي أورشليم، ٣/٢ ٥ أميال شرقي عقرون..



قاموس الكلمات:-
بعل فراصيم- اسم كنعاني معناه "اله الانفجارات، صاحب التفرقة " مكان في وادى الرفائيين، وفية هزم الفلسطبيون حتى اضطروا أن يتركوا فيه أصنامهم..
اليفلط- اله الهرب.
اليداء- الله يعلم.
البكا
- نوع من الشجر.
الأصحاح السادس – إحضار تابوت العهد
إذ كان داود يتعظم وكان رب الجنود معه يهبه النصرة والغلبة حتى استقر في أورشليم كعاصمة لمملكته، أراد أن يؤكد أن الرب هو الملك الحقيقي مدبر أمور الشعب وواهبهم الغلبة، لذا فكر في إحضار تابوت العهد إلى أورشليم كعلامة منظورة لقوة الله غير لمنظورة.
١ - موكب التابوت ١-٥
٢ - ضرب عُزة ٦-١١
٣ - إحضاره إلى أورشليم ١٢-١٥
٤ - احتقار ميكال لداود ١٦-٢٣

١ – موكب التابوت
جمع داود ثلاثين إلفاً من المنتخبين، لا ليحاربوا، بل ليحتفلوا بأحضار التابوت إلى أورشليم. اشترك هذا العدد الضخم في الاحتفال تكريما لله سر فرح شعبه. هنا تبرز حكمة داود الروحية، إذ لم يرد أن ينشغل الشعب بالنصرض على الأعداء لمجد شخصي له وإنما سحب قلوبهم إلى الله نفسه، لكي تتهلل بالرب مخلصهم الحقيقي.
تابوت العهد كممثل للحضرة الإلهية حمل إسم رب الجنود لقائد حقيقي لشعبه الأبطال روحياً، الرب الجالس على الكروبيم (٢صم ٢:٦)؛ يظهر مجد الله خلال الكاروبين ليعلن رحمته لشعبه كما من عرش الرحمة أو كرسي الرحمة.
الله هو رب الجنود المهوب، مركبته سماوية هم جماعة الكاروبيم الملتهبون ناراً، يحل وسط شعبه برحمته أباً مترفقاً يسندهم ويُفرح أعماقهم.
بدأ الموكب من "
بعلة يهوذا" أو "بعلة" أو "قرية بعاريم" وهي إحدي مدن الجبعونيين (يش ١٧:٩) على تخم يهوذا وبنيامين، وُضع فيها التابوت بعد إرجاعه من أرض الفلسطينيين (١صم ١٩:٦ – ٢:٧)، يرجح أنها قرية العنب أو أباغوش، تبعد حوالي ٣/١ ٨ أميال شمال غربي أورشليم .
وضعوا التابوت على عجلة جديدة، ربما مقتدين بما فعله الفلسطينيون (١صم ٧:٦)، لكنهم بهذا خالفوا الناموس إذ كان يجب أن يحمله بنو قهات (عد ١٥:١؛ ٤ ض ١٥) على الأكتاف و ليس على عجلة.
كان عُزة وأخبو ابنا أبيناداب (غالبا كانا حفيديه) يسوقان العجلة؛ أخبو يتقدمها ليقودها بيمنا كان داود وكل بيت اسرائيل يلعبون بفرح ورقص يعزفون بكل أنواع آلات الطرب أمام الرب، بالرباب والدفوف والصنوج والجنوك (الجنك آلة موسيقية لها طوق نحاس فيه ثقب، وبالثقب أسلاك معدنية تمتد من جانب إلى جانب، وللطوق مقبض يمسَك باليد لتتحرك الأسلاك حيث الثقب واسع ).
٢ – ضرب عُزة
تحرك الموكب حتى بلغ بيدر ناخون أو كيدون (١أي ٩:١٣)، عدنا موضع دراسة غلال رجل يُدعى ناخون أو نكون أو كيدون. هناك
انشمصت الثيران، أي ذعرت وأخذت تركض و ترفس، فمدّ عُزة يده إلى تابوت الله وأمسكه كي لا يسقط، فضربه الله ومات.
لماذا أماته الرب؟ أما تُحسب هذه قسوة في التأديب؟
‌أ. كان يجب أن يُحمل التابوت على أكتاف اللاويين لا على عجلة. لقد سمح الله للوثنيين أن يضعوه على عجلة جديدة يجرها بقرتان، إذ كانت ترمز لكنيسة العهد الجديد الحاملة لشخص المسيح في داخلنا بكونه رأسها، تضم الكنيسة شعبين: من اليهود ومن الأمم. لم يكن الوثنيون في ذلك الوقت قد تهيأو لحمل تابوت العهد، إذ لاشركة بين الله وبليعال (٢كو ١٤:٦). أما بنو قهات فكانوا يمثلون جماعة المؤمنين الذين تأهلوا ليكونوا سماءً ثانية يحملون الله في داخلهم، لذلك كان يلزمهم أن يُصروا على التمتع بحقهم في حمل التابوت دون ا لعَجلة الجديدة.
الله لا يطلب عجلة جديدة ولا تقدمات هذا العالم بل الأكتاف الداخلية المقدسة التي تصير كالشاروبيم تحمل الله. الله يريد قلوبنا لا إمكانياتنا.
‌ب. كان يجب على عُزة أن يعرف الناموس، خاصة وأن التابوت وُجد في بيت أبيه وجدّه لمدة حوالي ٧٠ سنة، وأنه لايليق لمسه. قيل: "لايمسّوا القدس لئلا يموتوا" (عد ١٥:٤).
‌ج. ربما اعتاد عُزة أن يمد يده إلى التابوت بغير وقار، وقد تجاسر بالأكثر حين فعل ذلك علانية أمام كل الجماعة.
‌د. أراد الله تأكيد الحاجة إلى "مخافة الرب" جنباً إلى جنب مع "الحب الإلهي"، كي يعيش داود وكل الشعب في مخافة ووقار مع حب ودالة.
لقد كان الدرس قاسياً لكي يتعلم الجميع منه، وذلك كما حدث مع حنانيا حين كذب على الرسل (أع ٥:٥). يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [عوقب ذلك الإنسان (حنانيا) وانتفع الغير بذلك ... عُوقب عُزة وفقع خوف على الكل ].
اغتاظ داود لأن فرح الجماعة تحول إلى حزن وخوف، ولأن ارتباكاً ملأ الجميع واضطر الكل أن ينصرفوا ... وخاف داود أن ينتقل التابوت إلى مدينته قبل التيقن من سر غضب الله على عُزَّة.
مال داود بالتابوت إلى بيد عوبيد آدوم الجتي، غالبا من جت رمون في نصيب دان في الجنوب (يش ٤٥:١٩) أعطيت لبني قهات (يش ٢٤:٢١). كان عوبيد آدوم [إسمه يعني "آدوم بعيد"[ من القورحيين من نسل قهات (عد ١:١٦)، تمتع ببركة بقاء التابوت في بيته لمدة ثلاثة أشهر.
نود هنا أن نشير إلى أن داود لم يستشر الرب عدنما رغب في نقل التابوت إلى مدينته، مع أنه اعتاد أستشارته في كل صغيرة وكبيرة، حاسباً أن هذا الأمر يُسَّر به الرب قطعاً ولا حاجة إلى طلب مشورته، أو ربما أن شدة فرحه بنقل التابوت ورغبته في نوال البركة الإلهية أفقداه التفكير في ذلك. لو أنه استشار الرب، لكشف له خطأ نقل التابوت على عجلة ... وبالتالي ماكان قد مات عُزة، ولما تحول فرح الشعب إلى حزن ورعب.
لقد أدرك داود النبي أن موت عُزة لم يكن لمجرد لمسه للتابوت وإنما وراء هذا اللمس وُجد عصيان وفساد، لذلك وضع المزمور ١٥ حيث يقول:
"يارب من ينزل إلى مسكنك (خيمتك)؟!
من يسكن في جبل قدسك؟!
السالك بالكمال، والعامل الحق، والمتكلم بالصدق في قلبه ... "
٣ – إحضاره إلى أورشليم
قبل عوبيد آدوم تابوت العهد في بيته بوقار وخشوع لذلك بارك الرب بيته (١أي ١٣:١٣؛ ٢صم ١٢:٦)، وبارك كل ما له، لذلك فكر داود النبي في إحضاره إلى أورشليم كما ورد ذلك بالتفصيل في ١أي ١٥.
كلما ساروا ست خطوات ذُبح ثور وعجل (أي كبش) معلوف، وذلك سبع مرات (١أي ٢٦:١٥). في كل مرة إذ يعبرون ست خطوات يقدمون ذبيحة شكر لله الذي أعانهم ولم يصيبهم ماحل بعُزّة.
ارتدى داود أفوداً من الكتان كانت تُلبس تحت الجبة، إذ لم يكن ممكناً له أن يرقص وهو يرتدي الجبة. لقد كانت الجبة علامة العظمة أما الأفود الكتانية فعلامة النقاوة؛ وكأن داود قد خلع كل مظاهر الأبهة لكي يعلن في اتضاعه عن نقاوة داخلية وعن تهليله بحضرة الرب.
لقد رقص داود أمام التابوت معبراً بذلك عن أعماقه الداخلية التي تهتز في تهليل أمام الرب، لننا لم نسمع عن صموئيل النبي أنه فعل ذلك ليس لأن الأخير لم يكن متهللاً في أعماقه إنما كل مؤمن يعبر عن حبه وفرحه بما يناسب ظروفه. لذا يقول القديس أمبروسيوس: [رقص داود أمام التابوت وأما صموئيل فلم يرقص. داود لم يُلم ومُدح صموئيل ].
عبّر الطوباوي داود عن فرحه بالتابوت في مزموره الثلاثين (٢٩ حسب الترجمة السبعينية)، جاء فيه:
"لأن للحظة غضبه، حياة في رضاه
عند المساء يبيت البكاء و في الصباح الترنم.
حولت نوحي إلى رقص لي.
حللت مسحي ومنطقتي فرحاً.
لكي تترنم لك روحي ولا تسكت.
يارب إلهي إلى الأبد أحمدك" (مز ٣٠: ٥-١١).
كشفت هذه العبارات العجيبة عما في أعماق قلب داود من فرح وتهليل، مصدره ليس فقط الأحداث التي عاش فيها بنقله التابوت إلى مدينته وإنما أيضاً وبصورة أعظم لحلول المسيَّا المخلص نفسه في نفس مدينة النفس الداخلية، أو سكنى الرب في القلب لإقامة ملكوته داخلنا (لو ٢١:١٧).
يقول داود المرتل: " لأن للحظة غضبه، حياة في رضاه" مشيراً إلى الغضب الإلهي الذي تحقق إلى لحظة عندما سقط عُزة ميتاً أمام التابوت لأنه تجاسر فلمسه، كان ذلك للحظة، لكن خلال هذا التابوت تمتع الشعب بالحياة إذ نالوا رضى الله. كان ذلك رمزاً لما حدث مع رب المجد يسوع عندما حمل الغضب الإلهي على الصليب إذ قيل "إما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. أن جعل نفسه ذبيحة إثم ... حمل خطية كثيرين" (إش ٥٣: ١٠، ١٢)؛ كما إلى لحظة غضبه إذ وُضع إثمنا عليه، لكنه قام فأقامنا معه واهباً إيانا الحياة في رضاه.
ما حدث مع عُزة كان كما عند ظلام المساء، وما تحقق مع داود في نقله التابوت كان كما في نور الصباح: "عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح الترنم". تحقق ذلك بقوة عندما أسلم الرب الروح على الصليب فحل البكاء في المساء، لكن في فجر الأحد تهللت الكنيسة بقيامته لتبقى تنعم بالحياة المقامة فيه.
يقول داود المرتل: "حولت نوحي إلى رقص لي" ... فقد ناح داخليا عندما مات عُزة وارتبك للغاية، لكنه رقص في أعماقه كرقصات يوحنا المعمدان في أحشاء أمه اليصابات عندما أدرك المسيح المتجسد في أحشاء البتول مريم. رقص داود أمام التابوت لأنه رآه رمزاً للمسيح القادم إلى العالم، ليحل بين البشرية ويرد لهم الحياة بعد الموت، والفرح عوض النوح. يقول "حللت مسحي ومنطقتي فرحاً" إن كان قد خلع جبة العظمة وتمنطق ليرقص أمام التابوت، فإنه في ذلك رمزاً لخلعه أعمال الإنسان العتيق أو الطبيعة الفاسدة لينعم بمنطقة الفرح أو الإنسان الجديد أو تجديد الطبيعة الإنسانية.
هكذا في المزمور الثلاثين يربط المرتل داود بين فرحه بتابوت العهد ورقصه أمامه وبين تهليله بمجئ المسيَّا مخلص العالم ومجدد الطبيعة البشرية خلال تمتعها بقيامته فيها. يقول القديس إغسطينوس في شرحه للمزمور: [إنه مزمور فرح القيامة والتغيير وتجديد الجسد إلى حالة الخلود، ليس فقط بالنسبة للرب إنما أيضاً لكل الكنيسة ]. كما يقول: ["حللت مسحي ومنطقتي فرحاً". حللت حجاب خطاياي، حزن موتي، ومنطقتيي بالثوب الأول، بالفرح الخالد ].
لقد وضع داود النبي مزموراً خاصاً بالإحتفال بقدوم تابوت العهد إلى مدينته، افتتحه بالصيغة التقليدية التي كانت الجماعة ترددها كلما نصبوا الخيمة: "يقوم الله. يتبدد أعداؤه، ويهرب مبغضوه من أمام وجهه (مز ١:٦٨؛ عد ٣٥:١٠). عبَّر هذا المزمور بقوة عن بركات حلول الله في وسط شعبه كسرّ فرح وتهليل (مز ٦٨: ٣، ٤)، ورعاية واهتمام لشعبه خاصة اليتامى والأرامل بكونه أبا اليتامى وقاضي الأرامل (مز ٥:٦٨)، مُشبع احتياجات المساكين (مز ١٠:٦٨)، واهب الخلاص (مز ١٩:٦٨) والقوة والشدة (مز ٣٥:٦٨). إنه كنار يبدد الشر كالشمع قدامه ويذريه كدخان (مز ٢:٦٨)، أمامه ترتعد الأرض (مز ٦:٦٨) ويهرب الملوك (مز ١٢:٦٨).
وضع أيضاً المزمور ٢٤ ليعلن أن بهجته الشديدة بتابوت العهد لا تعني حصر سكنى الرب في موضع معين، إنما هو رمز لراعة الرب للبشرية كلها، إذ يقول: "للرب الأرض وملؤها؛ المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز ١:٢٤) الخ ... في ختام هذا المزمور الرائع يرى داود النبي في دخول التابوت إلى أورشليم صورة رمزية لصعود السيد المسيح إلى أورشليم العليا بعد نصرته في معركة الصليب، إذ يقول:
"ارفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارتفعن أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد.
من هو ملك المجد؟
الرب القدير الجبار، الرب الجبار في القتال ... رب الجنود هو ملك المجد" (مز ٢٤: ٧-١٠).

٤ – احتقار ميكال لداود
أُدخل التابوت إلى مدينة داود، وهي القسم الأعلى من الجنوب الغربي لأورشليم حيث يوجد الحصن الذي استولى عليه داود من اليبوسيين، هناك وُجد بيت داود وأيضاً مسكن التابوت حتى انتقل إلى الهيكل الذي بناه سليمان.
كانت ميكال تحب داود (١صم ٢٠:١٨)، أنقذته من يد أبيها (١صم ١٣:١٩)، لكن شاول أعطاها لفطئيل زوجة، ثم أُعيدت ثانية إلى رجلها الأول داود ... لكنها لم تكن قادرة أن تشاركه حبه لله وغيرته وإيمانه. لذا رأت في خلعه لجبته الملوكية ورقصه أمام التابوت نوعاً من السفاهة. إستقبلته باحتقار قائلة له: ما كان أكرم ملك اسرائيل اليوم حين تكشَّف اليوم في أعين إماء عبيده كما يتكشَّف أحد
السفهاء" (٢صم ٢٠:٦).
ماأبعد الفارق بين داود وميكال؛ الأول انسحب بكل كيانه الداخلي ليرى خلال التابوت تجسد الكلمة وحلول المسيا بين شعبه وتقديم عمله الخلاصي، أما ميكال فتعلق قلبها بالجبة الملوكية التي خلعها داود فرأته سفيهاً وعارياً كما قالت له !!!
يبدو أن ميكال كانت تنتظر من رجلها كملك أن يبقى في قصره ويأتي إليه الكل يهنئونه بوصول التابوت، ليس أن ينزل من القصر ويخلع جبته الملوكية ويرقص أمام التابوت في حضرة الجماعة. ميكال تمثل الأنا القابعة في داخل النفس، المتقوقعة والمغلقة، تطلب ما للأن، ولا تنفتح على الله والناس، لذا أصيبت بعمى البصيرة الداخلية وتحجر القلب وفقدان الحس الداخلي تجاه العمل الإلهي الفائق. أما داود الطوباوي فيمثل النفس التي تخلع حب العظمة الزمنية، وتنفتح بالاتضاع المملوء حباً نحو الله والناس، فتتحول عن مسوح الحزن إلى منطقة الفرح، وتعبر من بكاء المساء إلى فرح صباح القيامة!
بقدوم التابوت قدمت محرقات وذبائح سلامة (لا ٣:١)، وكان تجسد الكلمة غايته ذبيحة الصليب التي هي موضع سرور الآب والقادرة على خلاصنا.
بارك داود الشعب وأعطى كل واحد رغيف خبز وكأس خمر وقرص زبيب. رغيف الخبز يشير إلى وحدة الكنيسة ويبادل الحب بين أعضائها إذ تجتمع الحنطة معاً في رغيف خبز؛ وكأس الخمر يشير إلى شركة الفرح بالروح، أما قرص الزبيب فيشير إلى عذوبة الكنيسة وحلاوتها باتحادها .
لم ينس داود بيته فجاء يباركه، لكن ميكال انتهرته. أما هو ففي حزم وبخها على نظرتها غير الإيمانية.
يُختم الأصحاح بالقول بأهنه لم يكن لميكال ولد من داود، وكان ذلك عاراً في العهد القديم، علامة غضب الله، إذ تترقب كل مؤمنة أن يأتي المسيا من نسلها. فعقر ميكال ربما كان ثمرة تمردها على الرب ولكبريائها..



قاموس الكلمات:-
فارص عزة- اسم عبرى معناه "انكسار عزة".
بعلة يهوذا
- قرية يعاريم، وهى اجدى مدن الجبعونيين الأربع.
بالجنوك- مفردها جنك أي صنج صغير من نحاس يمسك بأصابع اليد.

انشمصت
- ذعرت و هاجرت تعثرت.

السفهاء
- جمع سفيه = خليع - تافه.
الاكمة- التل.
الأصحاح السابع – اشتياق داود لبناء بيت الرب
شعر داود النبي والملك بأحسانات الرب إليه فأراد أن يبني له بيتا، إذ حسب أنه ليس من اللائق أن يسكن هو في بيت من الأرز بينما يسكن تابوت العهد في خيمة من
الشقق.
١- رغبة داود في بناء بيت الرب ١-٣
٢- ابن داود يبني بيت الرب ٤-١٧
٣- داود يشكر الله ١٨-٢٩

١ – رغبة داود في بناء بيت الرب
لم يتبع الكاتب التسلسل الزمني، إذ أراد الكشف عما ورد في قلب داود النبي والملك من جهة بناء بيت للرب عوض الخيمة مباشرة بعد ذكره إحضار التابوت إلى مدينة داود، بينما ما جاء هنا غالباً ماتحقق بعد الحرب التي وردت في الأصحاح التالي. لقد قيل هنا: "وأراحه الرب من كل الجهات من جميع أعدائه" (٢صم ١:٧).
بلا شك ظهر هذا الفكر في أعماق داود النبي عندما بدأ في بناء بيته، وربما اشتهى أن يبني بيت الرب قبل بيته، حاسباً الله أولاً في كل أمور حياته. هذا الفكر تزايد بالأكثر بعدما أُحضر التابوت إلى مدينته، لكنه لم يتحدث مع ناثان النبي إلا بعدما استراح من الحروب، قاصداً أن يبني بيتاً ضخماً جداً يحتاج بناؤه إلى إزمنة سلام، أي إلى تفرغ للبناء دون ارتباك بالحروب.
كان ناثان نبياً أمينا لله وللملك وله وقاره الخاص، قام بحزم وشجاعة لكنه في أدب بتوبيخ الملك عندما ارتكب الخطية مع امرأة أوريا الحثي (٢صم ١٢: ١-١٥). قام هو وجاد الرائي بترتيب خدمة بيت الرب (٢أي ٢٥:٢٩). عمل بع بثشبع على إقامة سليمان ملكاً (١مل ٨-٤٥).
وافق ناثان في البداية على طلب داود الخاص ببناء بيت للرب، إذ حسبه طلباً صالحاً ولائقاً، لكنه إذ استشار الرب أجابه ألا يعمل ذلك بل يترك الأمر لإبنه من بعده.
٢ – ابن داود هو الذي يبني بيت الرب
يبدو أن الله تحدث مع ناثان خلال رؤيا الليل (٢صم ٧: ٤، ١٧)، وقد رفض الله أن يبني بيتاً مقدماً له هذا التعليل بأن الله لم يسكن في بيت منذ إخراجه للشعب من مصر، ولا طلب ذلك منهم. إنه ليس إنساناً يحتاج إلى بيت (إش ١:٦٦). أكد الله ذلك لئلا يظن شعبه أنه حقق لهم انتصارات لأجل إقامة هيكل عظيم له، ولكي لا ينشغلوا ببيت الله فيما بعد كمبنى عظيم. هم أنفسهم بيته الحيّ، يود أن يسكن في وسطهم معلناً حضوره الدائم فيهم خلال الحياة المقدسة. هذا ماكشفه العهد الجديد بأكثر وضوح. عندما طلب التلاميذ من السيد المسيح أن ينظر الأبنية العظيمة التي للهيكل. أكَّد لهم أنه لن يبقى حجر على حجر إلا وينقض (مت ٢٤: ١، ٢)؛ كما تحدث عن الهيكل بكونه هيكل جسده هو الذي ينقضه اليهود على الصليب ليقوم في اليوم الثالث (يو ٢: ١٩-٢٢) واهباً إيانا الحياة المقامة خلال اتحادنا معه. حدثنا أيضاً القديس بطرس عن الهيكل الحيّ الذي يقوم بحجارة حية هي جماعة المؤمنين (١بط ٥:٢).
سبق أن تحدثنا في كتاب "الكنيسة بيت الله" عن ارتباط المبنى الكنسي بالحياة الداخلية، حيث استعرضت مقتطفات لكلمات العلامة أوريجانوس، جاء فيها:
[أهِّلني يارب يسوع المسيح أن أساهم في بناء بيتك ...
إني أتوق أن أقدم ذهباً للغطاء (خر ١٧:٢٥)، أو لتابوت العهد أو للمنارة أو للسرج! ...
هلم نبني خيمة إله يعقوب يسوع المسيح ربنا، ونزينها ].
[ليكن للنفس مذبح في وسط القلب، عليه تُقدم ذبائح الصلاة ومحرقات الرحمة، فتُذبح فوقه ثيران الكبرياء بسكين الوداعة، وتُقتل عليه كباش الغضب وماعز التنعم والشهوات ...
"لتعرف النفس كيف تقيم داخل قدس إقداس قلبها منارة تضئ بغير انقطاع ].
إن ما يمجّد الله ليس في المباني المادية الضخمة، بل في النفوس الحية التي أقامها السيد المسيح من الأموات، وتعلن حضوره في وسطها وملكوته في داخلها. لذلك أبرز الله معاملاته مع داود كيف أقامه الله من
المربض من وراء الغنم ليصير رئيساً لشعبه، كيف كان معه أينما وُجد واهباً له النجاح والغلبة. وكأنه مع كل نصرة روحية وكل نجاح داخلي يُعلن بيت الرب المجيد فينا.
على أي الأحوال، لم يحرم الله داود سؤال قلبه، إنما وعده بتحقيق ذلك خلال ابنه الذي يخرج من أحشائه، مقدماً تبريراً لذلك كما جاء في ١أي ٨:٢٢. بأن داود سفك دماً كثيراً وعمل حروباً عظيمة، لذلك يليق بناء بيت الرب في أيام سليمان حيث تكون أيامه سلاماً.
الذي يقيم بيت الرب هو سليمان، وكان رمزاً للسيد المسيح ابن داود حسب الجسد الذي أقام كنيسة العهد الجديد بيتاً روحياً يسكنه الثالوث القدوس.
يقول القديس أغسطينوس:
[من يظن أن هذا الوعد العظيم (٢صم ٧: ١٢-١٦) قد تحقق في سليمان يخطئ خطأً عظيماً، إذ يسمع القول "هو يبني لي بيتاً" لكنه لا يسمع للقول: "بيته يبقى أميناً وتكون مملكته أمامي إلى الأبد". ليته ينصت ويتأمل بيت سليمان المملوء نساءً غريبات يتعبدن لآلهة غريبة، بل والملك نفسه الذي كان حكيماً خُدع بواسطتهن وسقط في عبادة الأوثان نفسها. ليته لا يتجاسر أحد فيظن أن الله قد وعد بذلك باطلاً أو أنه كان غير قادر أن يعرف ماسيكون عليه سليمان هذا وبيته.
إذن، يليق بنا ألا نشك في أن هذه الأمور قد تحققت في المسيح ربنا الذي جاء من نسل داود حسب الجسد (رو ٣:١)، لئلا تكون نظرتنا هنا باطلة مثل اليهود الجسدانيين الذين يدركون أن الابن المذكور هنا والموعود به لداود ليس سليمان ومع ذلك فبعماهم العجيب عن الموعود به (المسيح) والمعلن عنه يقولون انهم ينتظرون آخر.
حقاً لقد ظهرت في سليمان صورة لما حدث فيما بعد، إذ بنى الهيكل وكان له سلام كاسمه (لأن سليمان يعني سالم)، وكان في بداية حكمه مستحقاً للمديح بطريقة عجيبة، بينما أظهر المسيح ربنا – بكونه ظلاً له – لكنه لم يماثله في شخصه ].
جاء في الوعد الذي قدمه الله لداود أن ابنه يقوم ببناء البيت الآتي:
‌أ. "أثبت كرسي مملكته إلى الأبد" (٢صم ١٣:٧). لقد ملك سليمان أربعين سنة، أما نسله فملكوا حتى نهاية المملكة. السيد المسيح هو الذي ليس لملكه نهاية (مز ٢٧:٩٨، ٣٦، ٣٧). لقد سقطت مظلة داود (عا ١١:٩)، أما مملكة المسيح فلن تسقط أبداً.
جاء في عنوان المزمور ٧٢ أن سليمان يملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقصى الأردن، مياة المعمودية، حيث يقيم مملكته في قلوب المعمدين كأعضاء جسده الخاضعة للرأس.
‌ب. "أقيم بعدك نسلك ..." (٢صم ١٢:٧): يرى القديس أغسطينوس أن سليمان ملك أثناء حياة داود، قبل موته، لهذا فالوعد في جوهره ينطبق على غيره، على المسيح الذي بنى الهيكل الروحي (١كو ١٧:٣).
يقول أيضا الأب لاكتانتينوس: [تسلم سليمان المملكة من أبيه نفسه بينما تحدث الأنبياء عمَّن (يبني البيت) أنه يولد بعد أن يرقد داود مع آبائه. هذا ولم يكن حكم سليمان أبدياً، إذ ملك لمدة أربعين سنة. ثانياً لم يُدع سليمان قط ابن الله بل ابن داود، والبيت الذي بناه لم يثبت على الدوام مثل الكنيسة التي هي الهيكل الحقيقي لله، هذه التي لم تُبن من حوائط بل من القلوب (١بط ٥:٢) بإيمان الذين آمنوا به وقد دُعوا مؤمنين. أما هيكل سليمان فبُني باليد وهُدم باليد. أخيراً تنبأ المزمور ١٢٦ عن عمل ابنه (حسب الجسد): "إن لم يبن الرب البيت فباطلاً تعب البناؤن، وإن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً سهر الحراس" ].
‌ج. هيكل الله ليس هيكل سليمان الذي هدمه نبوخذ نصر بل جسد المسيح (يو ٢: ١٩-٢١) الذي حل بيننا وصعد إلى السماء ليقيمنا فيه أبدياً، به صرنا شركاء الطبيعة الإلهية (رؤ ٣:٢١).
‌د. "أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابناً" (٢صم ١٤:٧). صار سليمان كابن لكنه تعوَّج واحتاج إلى تأديب، إما السيد المسيح فهو الابن الأزلي الذي وهبنا فيه البنوة، خلاله لا تنزع عنا ارحمة الإلهية، لكننا إن أخطأنا يؤدبنا بقضيب الناس وبضربات بني آدم (٢صم ١٤:٧).
يقول القديس أغسطينوس: [بالنسبة للمسيح نفسه الذي هو رأس الكنيسة لا يمكن أن يوجد فيه أية خطية تحتاج إلى تأديب إلهي بتصحيحات بشرية (٢صم ١٤:٧) ... إنما توجد في جسده وفي أعضائه الذين هم شعبه. لذلك ما قيل في سفر صموئيل "إن هو (تعوَّج)" جاء في المزمور (٨٩): "إثم بنيه"، "إن ترك بنوه شريعتي" (مز ٣٠:٨٩) ]
نختم حديثنا عن الوعد الإلهي لداود ببناء بيت الرب بيدي ابنه بالملاحظات التالية:
‌أ. الله في حديثه يقول: "الصليب تكلمت بكلمة إلى أحد قضاة اسرائيل الذين أمرتهم أن يرعوا شعبي اسرائيل قائلاً: لماذا لم تبنوا لي بيتاً من الأرز؟!" (٢صم ٧:٧). كأن بناء الرب المفرح له هو رعاية شعبه والاهتمام بهم، يسيرون مع شعبه ويحامون عنه ويعتنون به كما يعتني الراعي بقطيع غنمه.
‌ب. لئلا يظن داود أن عدم بنائه للبيت يقلل من مركزه لدى الله قال ليوناثان: "هكذا تقول لعبدي داود" (٢صم ٨:٧). كأن الله ينسب نفسه لداود شخصياً، علامة الاعتزاز به.
‌ج. عدم بناء البيت إلى عصر سليمان لا يعني رفضه شعبه، إذ يهتم هو بهم وعيّن لهم حتى أرضهم: "عينت مكاناً لشعبي اسرائيل وغرسته، فسكن في مكانه ولا يضطرب بعد ..." (٢صم ١٠:٧) ... هكذا هو بيت الرب الثابت: قدسية حياة مؤمنيه.
٣ – داود يشكر الله
جلس داود غالباً على الأرض وأحنى رأسه أمام الرب ليشكره من أجل هذا الوعد الذي أنعم به عليه قائلاً:
"من أنا ياسيدي؟! وما هو بيتي؟! حتى أوصلتني إلى هنا؟!" (٢صم ١٨:٧). لقد أدرك أنه ليس عن استحقاق شخصي ولا عن كرامة لبيت أبيه نال هذا الوعد الإلهي، إنما هو نعمة إلهية فائقة جاءت به إلى كرسي المُلك ليكون في حضرة الرب ينعم بسكناه وحلوله معه وسخاء نعمة عليه.
ماأحوجنا أن نجلس في هدوء داخلي أمام الرب نسمع مواعيده المفرحة ونتحدث معه، مدركين عظمة عطيته المجانية، فقد أقامنا معه من الفساد وجعلنا له ملوكاً وكهنة، وحسبنا أبناء له ننعم بشركة أمجاده.
"وبماذا يعود داود يكلمك وأنت قد عرفت عبدك ياسيدي الرب" (٢صم ٢٠:٧). شعر داود بالخجل أن يتحدث مع الله الذي يعرفه تماماً؛ يعرف ضعفات داود وخطاياه ومذلته كما يعرف محبته وغيرته وجهاده وصبره ... ليس شئ مخفياً عن الله.
"فمن أجل كلمتك وحسب قلبك فعلت هذه العظائم كلها لتعرف عبدك" (٢صم ٢١:٧). ما تقدمه من عطايا فائقة ليس من أجل برّ ذاتي في الإنسان وإنما من أجل وعدك الإلهي، وكلمته الثابته إلى الأبد، حسب محبتك السرمدية تقدم المواعيد العظمى لعبدك.
من أجل وعده لشعبه أعطى داود هباتٍ كثيرة، فقد ثپَّت الله لنفسه شعباً يفتديه بكونه إلهم الذي يتمجد فيهم. من أجل الكنيسة المقدسة التي تحمل اسم المسيح يمنح أسراره الفائقة لمؤمنيه.
يختم داود صلاته بطلب البركة: "فالآن ارتض وبارك بيت عبدك ليكون إلى الأبد أمامك، لأنك أنت يا سيدي الرب قد تكلمت، فليُبارك بيت عبدك ببركتك إلى الأبد" (٢صم ٢٩:٧). هذه هي البركة، أن يكون الإنسان أمام الله على الدوام..



قاموس الكلمات:-
انا اثبت كرسي مملكته الى الابد- اشارة لملك السيد المسيح ابن داود الذي لا أنقضاء لملكه..
المربض
- المكان الذى تستلقى فيه البهائم.

الشقق
- الخيام.
الأصحاح الثامن – انتصارات داود المستمرة
لم يكن داود منشغلاً بمجده الذاتي ولا باتساع رقعة مملكته وإنما كان مهتماً بملكوت الله، لهذا لم يسعَ نحو إخضاع الأسباط تحت سلطانه إنما كان مشغولاً بخدمة الجميع ورعايتهم بكونهم شعب الله. الآن دخل داود النبي في حروب كثيرة وتكررت العبارة" "وكان الرب يخلص داود حيثما توجه" (٢صم ٨: ٦، ١٤). حصل على هدايا وغنائم لخدمة بيت الرب.
كإنسان حكيم مهتم بملكوت الله لم تشغله الحروب الخارجية عن الاهتمام بتدبير أمور مملكته الداخلية بحكمة واتزان.
١ - نصرته على الأمم المحيطة ١-٨
٢ – توعى يقدم له هدايا ٩-١٠
٣ – تقديس الهدايا والغنائم ١١-١٤
٤ – تدبير أمور المملكة الداخلية ١٥-١٨

١ – نصرته على الأمم المحيطة
كانت حروب داود النبي ضد الأمم الوثنية التي انجرفت تماماً في الرجاسات مع العنف والقسوة، تشير إلى جهاد المؤمن ضد الخطية بكل رجاساتها وعنفها.
لقد ضرب داود:
‌أ. الفلسطينيين: "أخذ داود
زمام القصبة من أيدي الفلسطينيين" (٢صم ١:٨)؛ أي أخذ جت وقراها، بكونها قصبتهم وزمام دولتهم المتسلطة على يهوذا ودان، إذ كانت جت على تخم يهوذا وبالقرب من دان.
جاءت الكلمة العبرية لزمام القصبة
Meth-eg-ammah، تعني حرفياً "لجام الأمة"، إذ كانت جت عاصمتهم تمثل من يمسك بلجام يحرك اسرائيل كيفما شاء. لقد أمسك داود بهذا اللجام وقبض عليه في يده ليستخدمه للتحكم فيهم عوض تحكمهم هم فيه.
‌ب. الموآبيين: سبق أن أودع داود والديه لدي ملك موآب (١صم ٢٢: ٣، ٤)، لسنا نعرف متى تحولت هذه الصداقة إلى عداوة لتستمر بعد ذلك. ربما كان موآب يسند داود عدنما كان شاول يقاومه، يهدف بذلك إلى مقاومة شاول كملك رسمي، لكن إذ صار داود ملكاً واتحدت الأسباط معاً تحت قيادته واستقرت مملكته ثار موآب ضده.
ضرب داود المدينة، قتل الثلثين، واستبقى الثلث يدبرون أمورهم الداخلية مقابل دفع جزية (تقديم هدايا). وقد تحققت نبوة بلعام: "يقوم قضيب من اسرائيل فيحطم طرفي موآب" (عد ١٧:٢٤).
بقى موآب يدفع الجزية حتى موت آخاب حيث ثار ملك موآب ضد اسرائيل وعصاه (٢مل ٣: ٢، ٤).
‌ج. السوريين أو الآراميين: كانت آرام تضم في الشمال مملكتين عظيمتين متمايزتين: آرام صوبة (عاصتها صوبة يظن البعض أنها حمص) تسيطر على عدة ملوك؛ وآرام النهرين (عاصمتها دمشق).
بدأ داود بمحاربة هدد (هدر) عزر ملك آرام صوبة. كانت صوبة في أيام شاول وداود وسليمان مملكة آرامية قوية غرب الفرات. امتد سلطانها يوماً إلى حدود حماة إلى الشمال الغربي (١أي ٣:١٨؛ ٢صم ١٠:٨) وكانت دمشق إلى جنوبها أو إلى الجنوب الغربي منها، لأن إحدى مدنها بيروثاي كانت تقع بين حماة ودمشق.
ضربه داود من الغرب في حماه (١أي ١٣:١٨)، من الوراء، فجاء ملك آرام دمشق لنجدته فضربه داود [يرى البعض أن آرام دمشق هي ذاتها آرام النهرين، موقعها فدان آرام حيث عاش الآباء ابراهيم واسحق ويعقوب].
بضرب داود آرام صوبة وآرام دمشق حطم كل ممالك آرام العظيمة؛ ولكي لا تتجمع جيوشهم ثانية لمحاربته أقام محافظين في صوبة ودمشق، وألزمهم بدفع جزية (تقديم هدايا).
استولى داود على أتراس الذهب (مطلية بالذهب)، وهي أتراس حراس الملك، وجاء بها إلى أورشليم. كما جاء بنحاس كثير جداً من مدينتي هدد "باطح" و "بيروثاي" وهما طبحة وخون (١أي ٨:١٨)، الأولى ربما تكون هي طبحة التي بين حلب والفرات [باطح تعني ثقة ]، أما الثانية فيرى البعض أنها بيروت، بيمنا يرجح آخرون أنها قرية بريتان على بعد ٦ أميال جنوب غربي بعلبك [بيروثاي تعني "آباراً" ].
استخدم سليمان الحكيم النحاس الذي أُخذ من هاتين المدينتين في صنع بحر النحاس والأعمدة والآنية النحاسية.
ترنم داود النبي بالمزمور الستين عندما حارب آرام صوبة وآرام النهرين (دمشق) غلبهما. يعلن القديس أغسطينوس على عنوان المزمور قائلاً إنه حمل روحاً نبوياً، إذ يعلن ما لم نجده في التاريخ ليكشف لنا خلال الرمز ما سيحدث مستقبلاً .
عنوان المزمور كما جاء في الترجمة السبعينية هو:
[ إلى الذين لا زالوا يتغيرون
إلى نصب تذكاري منقوش، لأجل داود،
للتعليم،
عندما حرق المصيصة السريانية (ما بين النهرين، آرام النهرين
Mesopatamaia وصوبة السريانية (آرام صوبة).
فرجع يوآب وضرب من آدوم الملح اثنى عشر ألفاً].
يقدم لنا القديس أغسطينوس تفسيراً رمزياً لهذا العنوان موجزه الآتي (بتصرف):

إن المزمور كتب من أجل الذين يظير المسيح (ابن داود) حياتهم لأجله هو ... كأن السيد المسيح هو الذي يغير حياتنا ويجددها، وغاية هذا التغيير هو أن نتعلم أن نلتقي به كغاية الناموس أو الوصية أو التعليم (رو ١٠:٥). فهو المعلم وهو المجدد وهو الغاية.

كيف حدث هذا التغيير؟
‌أ. بحرق المصيصة
Mesopatamaia (ما بين النهرين) السورية (آرام): يرى القديس أغسطينوس أن سوريا تعني "تعالٍ" و "مصيصة" تعني "دعوة" وكأنه لكي تتغير حياتنا يحرق الرب تعالينا وعجرفتنا لننعم باتضاعه. أرسل روحه القدوس الناري إلى العالم ليحرق كل فساد مجدداً طبيعتنا (في مياة المعمودية)؛ عوض أن يُدخل العالم إلى النار فيهلك أرسل ناره إلى العالم ليجدده، بحرق أعمال الإنسان العتيق منح الإنسان الجديد الداخلي أو الحياة الجديدة التي في المسيح. ليتنا لا نخاف نار المسيح وإن كانت تحرق فهي تحرق ماهو قديم فينا.
‌ب. برجوع "يوآب"؛ في رأيه أن كلمة "يوآب" معناها "عدو". وكأن المسيحي يرجع إلى ابن داود المنتصر بعد أن كان عدواً لله ... لنرجع إلى مسيحنا أحباء بعد العداوة القديمة.
‌ج. ضرب اثني عشر ألفاً من آدوم في وادي الملح. إن كانت "آدوم" تعني "أرضاً"، فتغييرنا يعني ما هو أرضي فينا لنحمل ماهو سماوي. كما لبسنا صورة التراب (آدم الأول) هكذا يلزمنا أن نلبس صورة السماوي (آدم الثاني) (١كو ٤٩:١٥).
٢ – توعى يقدم له هدايا
أرسل توعى أو توعو ملك حماة ابنه إلى داود ليسأل عن سلامته ويباركه بسبب ضربه هدد عزر، الذي كان عدواً لتوعى. قدم الابن هدايا: آنية فضة، آنية ذهب، آنية نحاس، قدسها داود لحساب بيت الرب. هكذا قبل داود هذه الإرسالية، معلناً أنه لايهوى الحرب بل يطلب السلام.
٣ – تقديس الهدايا والغنائم
كان داود يهيئ الطريق لسليمان ابنه لبناء بيت الرب من جانبين:
‌أ. إخضاع الأمم المقاومة مثل آرام النهرين وآرام صوبة وآدوم، وإقامة علاقات ودّ مع الأمم المسالمة مثل مملكة حماة ... حتى يعيش سليمان متفرغاً لبناء بيت الرب في جو من السلام.
‌ب. إعداد الإمكانيات للبناء، إذ لم يستخدم داود الغنائم والهدايا لصالحه الخاص ولا لإثراء أسرته وسبطه وإنما قدم الغنائم مع الهدايا لحساب بيت الرب.
ميز داود النبي بين التماثيل الذهبية والآنية الذهبية؛ الأولى حرقها (٢صم ٢١:٥) والثانية خصصها لخدمة بيت الرب. الأولى أي الأصنام تشير إلى الشر الذي يجب تحطيمه تماماً، فإن الله ليس في حاجة إلى الذهب أو الفضة ... والثانية تشير إلى تحويل الطاقات والمواهب المستخدمة للشر إلى طاقات ومواهب لحساب ملكوت الله. الله يرفض الشر ويقدس ما دنسناه خلال الشر، يكره الخطية لا الخطاة.
قيل أيضاً: "ونصب داود تذكاراً عدند رجوعه من ضربه ثمانية عشر ألفاً من آدوم في وادي الملح" (٢صم ١٣:٨). هكذا أقام نصباً تذكارياً علن تحطيمة آدوم (أي ماهو أرضي) ... ماهو هذا النصب إلا صليب ربنا يسوع المسيح الذي حولنا عن الزمنيات إلى السماويات. لذلك جاء في المزمور ٦٠ الذي تغنى به داود عدن ضربه آدوم وآرام: "زلزلت الأرض الأرض فََصَمْتَها، أجْبر كسرها لأنها متزعزعة ... على آدوم اطرح نعلي". بصليب ربنا تتزلزل فينا الأفكار الأرضية لنطأها تحت أقدامنا.
٤ – تدبير أمور المملكة الداخلية
كما نجح داود في حروبه ضد الأمم المقاومة وكسب صداقات الأمم المسالمة نجح أيضاً في الاهتمام بشئون مملكتة الداخلية ورعاية شعب الله على خلاف شاول الذي كان قوياً في الحروب وفاشلاً في سياسته الداخلية.
أولاً: اهتم بكل الشعب وبالقضاء لهم بالعدل: "وملك داود على جميع اسرائيل، وكان داود يجري قضاءً وعدلاً لكل شعبه" (٢صم ١٥:٨).
جاء في المزمور ٧٢: "يدين شعبك بالعدل ومسكينك بالحق، تحمل الجبال سلاماً للشعب والآكام بالبر. يقضي لمسكين الشعوب. يخلص من الشر ويسحق الظالم" (مز ٧٢: ٢-٤).
ثانيا: نجح في توزيع المسئوليات على قادة يسندونه، فأقام:
‌أ. يوآب على الجيش.
‌ب. يهوشفاط بن أخيلود مُسجِّلاً يكتب أحكام الملك ويحفظها.
‌ج. صادوق بن أخيطوب من نسل أليعازار وأخيمالك بن أبيثار كاننين.
‌د. سراياً كاتباً، أي وزيراً ومفتشاً للدولة.
‌ه. بناياهو بن يهويداع رئيساً على
الجلادين والسعاة الذي يعاقبون الدنيين، وهم أيضاً حراس الملك (٢مل ٤:١١). الكلمة الأصلية لجلادين "كريتيون"، ربما لأن الملوك كانوا يفضلون استخدام حراس من الأجانب حتى إذا ماحدثت فتنة من الشعوب لا يتسترون عليهم بسبب القرابة.
‌و. بنيه (بني داود) كهنة أي شفعاء. كلمة "كهنة" هنا لاتعني ممارسة العمل الكهنوتي التعبدي وإنما عمل الشفاعة كحكام تحت يدي داود ويعملون لحساب الشعب وخدمتهم؛ يقدمون لداود طلبات الشعب الحقيقية ... لذا حسبوا ككهنة..



قاموس الكلمات:-
مئين- مئة.
زمام القصبة
- إسم علم لمكان أو العاصمه.
بنو داود كانوا كهنة- بمعنى حكام ومشيرين.

الجلادين
- فرقة خاصة لحراسة الملك.
اراميون، اراميين- من سوريا.
ارام دمشت- السوريت (هادي بالمسح).
الأصحاح التاسع – داود و مفيبوشث
عادة إذ يستريح الإنسان ويستقر ينسى الماضي بآلامه ويتجاهل مشار الغير، أما داود النبي والملك صاحب القلب الكبير فنجاحه واستقراره دفعه بالأكثر إلى بحثه عن راحة الآخرين. لقد أراحه الله من جميع أعدائه، وبعد موت شاول ويوناثان بحوالي ١٥ سنة لم ينس عهده مع يوناثان (١صم ٢٠: ١٤-١٧)، فبدأ يسأل إن كان قد بقى أحد من بيت شاول لكي يصنع معه إحساناً من أجل يوناثان. سمع عن مفيبوشث بن يوناثان، الأعرج الرجلين، فاستدعاه ليرد له حقول جده شاول ويقيمه ضيفاً دائما يأكل معه على مائدتي كأحد أفراد أسرته.

١ – داود يستدعي مفيبوشث ١-٦
٢ – داود يرد له حقول شاول ٧-١٣

١ – داود يستدعي مفيبوشث
من العادات القديمة أن يقتل الملك الجديد كل نسل الملك السابق لئلا يقاوموه ويطلبوا المُلك لأنفسهم (٢مل ١:١١)، أما داود النبي فأدرك أنه لم يستلم المُلك من يد إنسان بل من الله، ولأنه لم يضع قلبه على المجد الزمني بل مجد الله لذا لم يخف على كرسيه ولا طلب قتل نسل شاول، إنما على العكس إذ استقر بدأ يبحث عمن بقى من نسل شاول ليصنع معه معروفاً (٢صم ١:٩).
استُدعى صيبا عبد شاول ووكيله قبل موته، فامتثل أمام داود الملك وأخبره بينه يوجد بعد ابن ليوناثان أعرج الرجلين (٢صم ٣:٩)، وأنه في بيت رجل غني يدعى ماكير بن عمِّيئيل في لودبار بجلعاد شرق الأردن ["ماكير" معناه "مُبتاع"].
"صيبا" اسم آارامي يعني "غصناً" ، كان خادماً أو عبداً للملك شاول. حُرر ربما في وقت تغلب الفلسطينيين على شاول. وكان أباً لعائلة كبيرة واقتني عبيداً.
٢ – داود يرد له حقول شاول
كان داود النبي والملك نبيلاً للغاية في تعامله مع مفيبوشث، كريماً في عطائه له:
‌أ. تحدث معه وهو صبي صغير السن وأعرج كإنسان معجب به، يُسر بالحديث معه، ذي كرامة ... لقاء داود معه كان أثمن بكثير وأعظم من الحقول التي رُدت إليه، إذ أعطاه مايريح نفسه الداخلية ويشبعها، الأمر الله لا تقدر كل مقتنيات العالم أن تهبها للإنسان. هذا مادفع القديس بولس أن يطالبنا بتقديم قلبنا (الحب) للمحتاجين قبل تقديم الأموال أو العطايا المادية. يقول الرسول: "وإن أطعمت كل أموالي وإن سلمت جسدي حتى إحترق وليس لي محبة فلا أنتفع شيئاً" (١كو ٣:١٣).
‌ب. يبدو أن مفيبوشث كان خائفاً أن يقتله الملك، لذا طمأنه داود قائلاً له: "لا تخف، فإني لأعملن معك معروفاً من أجل يوناثان أبيك" (٢صم ٧:٩). مازرعه يوناثان من حب وإخلاص وأمانة في صداقته لداود يجنيه ابنه مفيبوشث بعد موت أبيه بسنوات.
‌ج. قدم داود حباً عملياً له: "أرد إليك كل حقول أبيك" (٢صم ٧:٩)، وطلب من صيبا (يبدو أنه رجل طماع وخبيث أراد فيما بعد عندما طُرد داود أن يغتصب هذه الممتلكات) أن يعمل هو وبنوه وعبيده في حقول شاول لحساب حفيده مفيبوشث.
‌د. أخيراً حسبه كأهل بيته: "وأنت تأكل خبزاً على مائدتي دائما" (٢صم ٧:٩) ... لم يحتمل مفيبوشث هذا الكرم الشديد والحب المتدفق والرقة غير المتوقعة حتى وهو أعرج" سجد وقال: من هو عبدك حتى تلتفت إلى كلب ميت مثلي؟!" ٢(صم ٨:٩).
سبق أن سجد داود ليوناثان بكونه ولي العرش (١صم ٤١:٢٠)، وها هو ابن يوناثان يسجد لداود كملك.
داود في سخائه يرمز للسيد المسيح ، الذي يدعونا إليه لنلتقي معه كأحباء؛ ينزع عنا الخوف، ويرد إلينا ما فُقد منا (الطبيعة الصالحة التي خلقنا عليها) كما وهبنا أن نجلس على مائدته السماوية نتناول جسده ودمه المبذولين سر خلاص وتمتع بالحياة الأبدية..


قاموس الكلمات:-
تستغل- تأتي بثمر.
- الإصحاح العاشر – تآمر الرؤساء على داود
أراد داود صاحب القلب الكبير أن يصنع معروفاً مع حانون ملك عمون من أجل ما فعله أبوه ناحاش معه، لكن المشيرين أساءوا الفهم وأثاروا الملك ضده مدعين أن داود أرسل جواسيس – ولا معزين – ليقتحم المدينة، فتحالف حانون مع الملوك المحيطين به لمحاربة داود ... لكن داود انتصر عليه..
كانت هذه الحروب وأمثالها فرصة ليسجل لنا داود بعض مزاميره (مز ٢، ٢٠، ٢١، ٦٠، ١١٠) التي تنبأت عن ثورة الأمم، وتآمر الرؤساء على السيد المسيح حتى يُصلب، ويبقى الأشرار يتحالفون ضد كنيستة فيتمجد السيد المسيح في الكنيسة المضطهدة

١ – حانون يهين رسل داود ١-٥
٢ – الغلبة على بني عمون وملوك آرام ٦-١٤
٣ – الغلبة على هدر وعزر ١٥-١٩

١ – حانون يهين رسل داود
أساء مشيرو حانون ملك بني عمون الظن بداود إذ حسبوا أن رسله للتعزية جواسيس لاقتحام المدينة، وبمشورتهم الشريرة أثاروا حرباً عظيمة أدت إلى هلاك الكثيرين. ماأخطر إساءة الظن على حياتنا!
جاء رُسل داود إلى مدينة ربّة أو ربّة عمون. كلمة "ربة" معناها "عظيم" أو "عاصمة" ، وهي غير ربّة التي على جبال يهوذا (يش ٦:١٥) القريبة من أورشليم، إنما هي ربة بني عمون القائمة عند منبع نهر يبوق، تبعد حوالي ٢٣ ميلاً شرقي الأردن. جمّلها بطليموس فلادلفوس (سنة ٢٨٥-٢٤٦ ق.م.) ودعيت فيلادلفيا تكريماً له، اسمها الحديث عمّان، عاصمة شرق الأردن. يمر بها الطريق التجاري بين دمشق وشبه الجزيرة العربية.
استمع حانون لمشيريه الأشرار فحلق نصف لحي الرسل وشق ثيابهم ... يعتبر هذا العمل عند العبرانيين إهانه عظيمة. سمع داود الملك فذهب إليهم وطلب منهم ألا يرجعوا إلى أورشليم حتى لايخجلوا من لقائهم مع رجال البلاط. هكذا حمل داود مشاعر رقيقة، إذ يهتم بمشاعر كل إنسان ويخشى إن تُجرح.
٢ – الغلبة على بني عمون وملوك آرام
شعر بنو عمون أن إهانة سفراء داود موجهة إلى الدولة كلها، ملكاً و شعباً، وأنه لابد أن ينتقم داود منهم، فاستأجروا آراميين من ممالك آرام وتحالفوا معهم على محاربة داود. استأجروا آراميين من بيت رحوب وصوبة ومعكة وطوب. هكذا دفعت إساءة الظن إلى حرب طاحنة بين دول وممالك كثيرة!
"بيت رحوب": إسم عبري معناه "بيت موضع رحب أو مفتوح أو بلازا" . مدينة في شمال فلسطين، في وادي الأردن الأعلى (عد ٢:١٣)، تدعى "رحوب". سكنها الآراميون (السريان)، موقعها بقرب "دان" أو "تل القاضي"، كانت في موقع "بنياس" الحالية.
"صوما" راجع تفسير الأصحاح الثامن.
"معكة" إحدى ممالك آارام دعيت "آرام معكة" أو "سوريا معكة" (١أي ١٩: ٦-٧)، على تخوم فلسطين الشمالي الشرقي بين أرجوب غرباً والبرية شرقاً، سكانها من سلالة ناحور (تك ٢٤:٢٢). [إسم "معكة" معناه "غبي" ].
"طوب": معناها "صالح أو حسن أو طيب" . منطقة تقع شرق الأردن، هرب إليها يفتاح لما حرمه إخوته من الميراث (قض ١١: ٣، ٥)، ربما هي أرض تبياس (١مك ١٣:٥؛ ٢مك ٧:١٢)، لعلها هي "الطيبة" التي تبعد ١٠ أميال جنوبي جدارا
Gadara (حالياً أم قيس أو مقيس).
إذ سمع داود بتحالف هذه الممالك معاً ضده لم يخف وإنما بالأكثر تمسك بوعود الله له، فاستعد للحرب متكئاً على قوة الرب نفسه، قائلاً:
"لماذا ارتجت الأمم وتفكرت الشعوب في الباطل.
قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه ...
الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم ...
قال لي: أنت ابني. أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك ...
فالآن أيها الملوك تعقلوا ... (مز ٢).
لم يكن ممكنا لداود برجاله المشاه أن يقاوم هذه الممالك المجتمعة التي تحاربه من الشمال (بني عمون) ومن الشمال (الآراميين) والتي خرجت بمركبات وخيل ... إنما اتكل على قوة الله، قائلاً:
"يارب بقوتك يفرح الملك، وبخلاصك كيف لا يبتهج أحد؟! (مز ١:٢١).
"هؤلاء بالمركبات وهؤلاء الخيل، أما نحن فباسم الرب لهنا نذكر" ٠مز ١:٢١).

رأى داود خلال هذه المعركة التي طرفاها الله نفسه وقوات الظلمة أي إبليس، معركة الصليب حيث تجمعت قوات الظلمة ضد الابن الوحيد الجنس، لذا أنشد قائلاً:
"قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك" (مز ١:١١٠).
خرج بنو عمون واصطفوا للحرب عند مدخل المدينة، غالباً "ربّة"، بينما كان الآراميون (السوريون) في السهل (الحقل) مقابل ميديا (١أي ٧:١٩) حتى يسهل تحرك مركباتهم.
لو أن يوآب جمع كل رجاله ليحارب بني عمون متجهاً نحو الجنوب لضربه الآراميون من خلف في الشمال، خاصة وأن الآراميين أكثر قوة من بني عمون. بحكمة قسّم يوآب رجاله قسمين، أخذ الجبابرة معه متجهاً نحو الآراميين بينما أخوه أبيشاي متجهاً نحو بني عمون، واتفقا معاً أنه إن ضعف طرف يسنده الآخر.
إذ كان الآراميون مستأجرين لم يستطيعوا الوقوف أمام يوآب ورجاله الأبطال، وبالتالي خاف بنو عمون وهربوا من أمام أبيشاي ودخلوا مدينة ربة قبل أن يبدأ أبيشاي بمحاربتهم. خافوا لأنهم أضعف من الآراميين. لم يلحقهم أبيشاي ولا يوآب بل عاد الاثنان مستحسنين تأجيل الحرب لمدة سنة كاملة (٢صم ١:١١).
اتفاق يوآب مع أخيه أبيشاي أن يكون كل منهما مستعداً لنجدة الآخر يكشف عن أحد ملامح الجهاد الروحي الحيّ، وهي مساندة العضو لأخيه. لذا أوصى السيد المسيح تلميذه بطرس: "ولكني طلبت من أجلك لكي لايفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبت إخوتك" (لو ٣٢:٢٢). فإن كان الله هو سر نصرتنا وقوتنا يلزمنا بدورنا أن نسند الضعفاء. يقول الرسول بولس: "أسندوا الضعفاء" (١تس ١٤:٥).

٣ – الغلبة على هدر وعزر
حاول الآراميون أن يردوا اعتبارهم وسمعتهم فتجمعوا من جديد لمحاربة رجال داودط وقد بعث إليهم هدر عزر ملك آرام صوبا (٢صم ٣:٨) شوبك رئيس جيشه، لكن داود غلبه وقُتل شوبك في الحرب، فخاف الملوك الخاضعون لهدر عزر وتصالحوا مع داود واستعبدوا له ولم يعودوا يساندون عمون بعد..

قاموس الكلمات:-
استاههم- منتص ظهورهم.

ثمار الروح القدس

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
+++
ثمار الروح القدس
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في هذا اليوم المبارك في كافة قارات العالم بعيد حلول الروح القدس علي الرسل القديسين في اليوم الخمسين من عيد القيامة المجيد .
وفي هذه المناسبة المباركة نريد أن نتكلم عن ثمار الروح القدس التي ذكرها معلمنا بولس الرسول في رسالته إلي أهل غلاطية الإصحاح الخامس قائلاً :
"وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف" (غل23:22:5) .
تسع ثمار حلوة للروح القدس يقتنيها الإنسان حينما يتجاوب مع عمل الروح القدس الساكن فيه،ونتكلم عنها بشيء من الاختصار :

الثمرة الأولي : المحبة
@ أولي هذه الثمار التي تفرح قلب الله هي المحبة.
@ والمحبة هي الفضيلة الأولي في المسيحية،يقول معلمنا يوحنا رسول المحبة:"الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يو16:4) .
@ المحبة في المسيحية تسير في خطين متوازين : محبة الله ومحبة الناس،وتكمل إحداهما الأخرى ، فمحبة الله هي النبع والأساس ومحبة الناس هي الثمرة والبرهان،يقول معلمنا يوحنا الرسول"إن قال أحد إني أحب الله وهو يبغض أخاه فهو كاذب ولنا هذه الوصية منه أن من يحب الله يحب أخاه أيضاً" (يو21:20:4)، ومحبتنا لله أو للناس يجب أن تكون محبة عملية لا نظرية وينصحنا معلمنا يوحنا الرسول قائلاً :"يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" (1يو18:3) أي نحب محبة عملية حقيقية وتظهر المحبة العملية الحقيقية لله من الممارسات الآتية :
1 - التردد الدائم علي الكنيسة للعبادة والصلاة وحضور الاجتماعات التعليمية .
2 - قراءة الكتاب المقدس بانتظام والحياة حسب الوصية .
3 - حياة التوبة والاعتراف بالخطايا والذنوب .
4 - التناول المستمر من الأسرار المقدسة،أما المحبة الحقيقية للناس فتظهر في :1_ خدمتهم ، 2_ احتمال ضعفاتهم وهفواتهم ،
3_ مشاركتهم أفراحهم.وأتراحهم.، 4_ عدم ايذائهم ،
5_ عدم حسدهم بل الفرح لخيرهم ونجاحهم،وبهذا نتمم وصية المحبة لله وللقريب .

الثمرة الثانية : الفرح
لقد خلق الله الإنسان للسعادة والفرح،وضعه في جنة عدن وخلق من أجله كل شيء وأحاطه بكل وسائل الراحة وكان يعيش تحت العناية المباشرة لله وفي شركة عميقة معه حتى يعيش سعيداً،ولم يكدر حياته سوي الخطية وتنفيذ حكم الموت فيه وطرده من الجنة،وجاءت المسيحية لتجعل الإنسان فرحاً فقد قال الرب "جئت لتكون لهم حياة وليكون لكم أفضل" (يو10:10) .
والفرح الذي نقصده هو الفرح الروحي وليس أفراح العالم الباطلة .
والفرح الروحي له أسبابه الكثيرة منها :
أولاً : فرح بالرب
يقول الرسول بولس "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً افرحوا" (في4:4) ، فحينما يكون الإنسان ملتصقاً بالله قريباً منه وله شركة قوية معه يكون سعيداً ويفرح فرحاً لا ينطق به ومجيد .
ثانياً : فرح بالخلاص الثمين
نفرح بالخلاص كما يفرح المريض بشفائه والمأسور بإطلاقه والسجين بخروجه للحرية ، يقول المرنم"امنحني بهجة خلاصك"، كما يقول"يبتهج قلبي بخلاصك" .
أما العذراء مريم فقالت"تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو26:1) .
ثالثاً : فرح بعطايا الرب الثمينة
يفرح الإنسان عندما ينعم عليه الله بصحة جيدة وحياة مستقرة وأسرة سعيدة . يفرح بالكنيسة بيت الله وباب السماء ، يفرح بالأسرار المقدسة ووسائط النعمة التي تقوده للخلاص .
رابعاً : فرح بالعبادة التي يقدمها لله
ويحس بالشركة معه والقرب منه،بقول المرنم"أغني للرب في حياتي أرنم لالهي مادمت موجودا فيلذ له نشيدي وأنا أفرح بالرب" ويقول يعقوب الرسول " أعلي أحد مشقات فليصل.أمسرور أحد فليرتل " (يع13:5) .
خامساً : فرح بالعطاء
قال الرب يسوع الغبطة في العطاء أكثر من الأخذ (أع35:20) فالذي يعطي يسعد سعادة روحية لأنه أسعد آخرين وأراحهم وساهم في حل مشاكلهم .
يقول الرسول :"المعطي المسرور يحبه الرب" (2كو7:9) .

الثمرة الثالثة : السلام
أما الثمرة الثالثة من ثمار عمل الروح القدس في حياتنا فهي السلام.وهو عربون الأبدية السعيدة لأن هناك الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد ، السلام شيء ضروري لحياة الناس بدونه لا يستقر مجتمع ولا يهدأ بال .
وحينما نتحدث عن السلام نتحدث عنه بعناصره الثلاثة:سلام مع الله ، سلام مع الناس ، سلام مع النفس .
أولاً : سلام مع الله
حينما خلق الله الإنسان كان يعيش في سلام وشركة عميقة مع الله ، وبالخطية فقد سلامه وشركته مع الله "لا سلام قال الهي للأشرار.لأن الشرير كالبحر المضطرب الذي لا يستطيع أن يهدأ بل تقذف مياهه حمأة وطينا" (اش 2:57) .
ويأتي السلام مع الله من حياة التوبة والرجوع إلي الله ، فالإنسان التائب التقي النقي يتمتع بسلام الهي عميق،يقول الرسول بولس"إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله" (رو1:5) ، وحياة السلام مع الله تأتي من تسليم الحياة بكاملها لله والاتكال عليه والثبات فيه ، يقول القديس أغسطينوس:"يا الهي ستظل نفوسنا قلقة حتى تجد راحتها فيك .
ثانياً : سلام مع الناس
بأن توجد محبة وتعاون بين الناس وبعضهم ، يسلمون علي بعض ليس بالأيدى فقط بل وبالقلوب والنيات والعواطف الجياشة والمشاعر الفياضة بالحب .
الله يفضل الصلح والسلام بين الناس علي العبادة وتقديم الذبائح فيقول:"إذا قدمت قربانك إلي المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" (مت23:5) .
إن أردت أن تعيش في سلام مع الناس كن واسع الصدر حليماً مثل موسى النبي الذي قيل عنه :"وكان موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين علي وجه الأرض"(عدد3:12) .
لا تجعل المشاكل تأتي بسببك أطفأ المشاكل التي تأتي من الآخرين ، حاول أن تحتمل وتغفر ، واعلم أن المحتمل هو الأقوى أما الذي يثور ويغضب ويعيب في الآخرين فهو الأضعف.ينصحنا بولس الرسول قائلا: "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء ولا نرضي أنفسنا" (رو2:15) .
اقبل الناس كما هم وليس كما تريدهم أنت لأن من الصعب تغيير الطباع وإذا أردت إصلاح العالم فابدأ بنفسك وليس بالآخرين.
ثالثاً : سلام مع النفس
يأتي السلام مع النفس بالتوبة والنقاوة وممارسة وسائط النعمة وعمل الخير ، حينئذ يحس الإنسان أنه أرضي الله وأنه قريب منه فيحس بالاطمئنان والسلام الداخلي ويرتل مع داود النبي"إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معي" (مز23) .
بالإيمان تري معونة الله قريبة منا فنطمئن ونشعر بالسلام الداخلي، ويدعو لنا معلمنا بولس الرسول بالسلام الداخلي قائلا:"سلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (في 7:4) .

الثمرة الرابعة : طول الأناة
ومن الثمار اليانعة لعمل الروح القدس فينا طول الأناة ، وطول الأناة هو التأني وطول الروح وطول البال وسعة الصدر والحلم والصبر .
طويل الأناة يتمثل بالله الذي هو رحيم ورءوف طويل الروح وكثير الرحمة يطيل أناته علينا ويحتمل ضعفاتنا ولا ينتقم سريعاً .
كثير من القديسين اقتنوا هذه الفضيلة العظيمة مثل القديس ايسذوروس الذي كان يأخذ كل إنسان شرس الطباع شتاماً ومفترياً ويطيل أناته عليه حتى ينصلح حاله،وسألوه مرة:لماذا تخاف منك الشياطين يا أبانا ؟ ، فقال:لأني منذ صرت راهباًوحتى الآن (أى حوالي 50سنة)لم أدع الغضب يجوز من حلقي إلي فوق ، الصبر وطول الأناة مطلوب في معاملة الناس لكسبهم وحل المشاكل وعدم تطورها،ينصحنا الرب قائلاً "بصبركم تقتنون أنفسكم" (مت23:10) .
"ومن يصبر الي المنتهي فهذا يخلص" (لو19:21) ويوصينا معلمنا بولس الرسول قائلاً " شجعوا صغار النفوس.اسندوا الضعفاء.تأنوا علي الجميع " (1تس14:5) .

الثمرة الخامسة : اللطف
اللطف ضد العنف،وهو نوع من الوداعة والرقة والبشاشة والشفقة والترفق بالآخرين والبعد عن الخشونة والقسوة .
وينصحنا معلمنا بولس الرسول بقوله"كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين" (أف 2:4) ويقول "البسوا كمختارى الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة" (كو12:3) .
الله لطيف بشهادة معلمنا بولس الرسول القائل"حين ظهر لطف الله مخلصنا وإحسانه لا بأعمال بر عملناها بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى 4:3) ، الإنسان اللطيف يتشبه بالله في لطفه ومحبته وشفقته وإحسانه .
في مثل الابن الضال (لو15) انظروا كم كان الأب لطيفاً مع ابنه الذي رجع ومع ابنه الذي تذمر وغضب حتى كسب الاثنين .
الإنسان اللطيف لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته ، الإنسان اللطيف يكتشف النقاط البيضاء في الآخرين ويركز عليها ويظهرها ويمتدحها حتى يشجع الناس للسير في طريق الخير مثلما عمل الرب مع المرأة السامرية .
الإنسان اللطيف لا يتذمر من العتاب والمواجهة بل يعطى الآخرين فرصة للتعبير عن رأيهم ، فهذا هو الطريق السليم لحل المشاكل والتصالح .
الإنسان اللطيف لا يحتقر الضعفاء والفقراء بل يسندهم ويشفق عليهم . بالعنف قد يخسر الإنسان أحباءه ، بينما باللطف يكسب حتى أعدائه .

الثمرة السادسة : الصلاح
@ الصلاح ثمرة شهية من ثمار الروح القدس العامل فينا .
@ والصلاح هو الاستقامة والسلامة من العيوب .
@ الإنسان الصالح هو الإنسان المستقيم الملتزم والمؤدي لواجباته على ما يرام .
الصلاح نوعان : سلبي وإيجابي .
@ الصلاح السلبي هو البعد عن الخطايا والنقائص ، أما الإيجابي فهو عمل الخير والبر وممارسة الفضائل بكافة أنواعها .
@ والإنسان الصالح هو الذي يسير علي هذين الخطين المتوازيين .
@ الله من أجل محبته للصلاح ورغبته في قيادتنا في طريق الصلاح وضع أمامنا وفينا إمكانيات كثيرة للصلاح مثل :
أولاً : خلقنا علي صورته ومثاله في الصلاح والبر والعقل والحكمة،ولما فسدت طبيعتنا بالخطية قام بتجديدها بالفداء والمعمودية .
ثانياً : جعلنا هياكل للروح القدس ليعمل فينا ويقودنا في طريق الصلاح "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم" (1كو16:3) وهو يرشدنا إلي جميع الحق ويعلمنا كل شيء ويذكرنا بكل ما قاله الرب لنا ، يبكتنا علي كل خطية نرتكبها وعلي كل خير قصرنا في عمله .
ثالثاً : أوجد فينا الضمير الذي هو صوت الله في الإنسان ، يحكم ويشرع ويوبخ ويؤنب ويهذب ، يمنع عن الخطأ ويرشد إلي البر ويشجع علي الصلاح والاستقامة .

الثمرة السابعة : الإيمان
@ الإيمان هو الأساس الذي نبني عليه حياتنا الروحية وعلاقتنا بالله ، به نرضي الله لأنه بدون إيمان لا يمكن إرضائه (عب6:11).
@ الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا تري ، هو ضد الشك والارتياب والتزعزع .
@ الإيمان هو أحد الفضائل الثلاث الكبرى في المسيحية : الإيمان والرجاء والمحبة (1كو13) الإيمان أولها والمحبة أعظمها .
@ الإيمان هو حياة عملية يحياها المؤمن كقول الرسول بولس "أما البار فبالإيمان يحيا" (رو27:1) ، أي يحول الإيمان النظري إلي حياة معاشه وسلوك عملي ولا يفصل بين ما يؤمن به وما يعمله، إيمانه يكون هو الإيمان العامل بالمحبة (غل6:5) أي الإيمان الذي يعبر عن نفسه بالمحبة والعمل الصالح لأن الأعمال هي برهان وثمار الإيمان.
@ الإيمان الأرثوذكسي معناه الإيمان المستقيم الصحيح،ولكي يكون الإنسان كاملاً يجب أن يتحلى بأرثوذكسية الإيمان وأرثوذكسية السيرة أي إيمان مستقيم وسيرة مستقيمة تمجد الله .
وللإيمان المستقيم ثمار حلوة نافعة مثل الصلاة المقبولة وحياة التسليم الكامل لمشيئة الله المعتنى بنا،وحياة الشكر والرضا في كل ظروف الحياة،وطاعة الوصية الالهية ما دمنا نؤمن أنها كلمة الله لخلاصنا .

الثمرة الثامنة : الوداعة
@ والوداعة هي السكون والهدوء والبعد عن العنف والنرفزة وعلو الصوت تشبها بالمسيح الذي لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته .
@ الرجل الوديع هو الرجل الطيب الهاديء دمث الأخلاق .
@ طوب السيد المسيح الوداعة في عظته علي الجبل حين قال "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض"(مت5:5) ، يرثون الأرض هنا أي يكسبون محبة الكل وقلوب الكل ويعيشون في سلام وأمان حسب قول المزمور "الودعاء يرثون الأرض ويتلذذون بكثرة السلام" (مز11:37) ثم يرثون السماء في الأبدية كقول المزمور "أنا أؤمن أن أعاين خيرات الرب في أرض الأحياء" (مز13:27).
ولأهمية الوداعة دعانا الرب أن نتعلمها منه شخصياً فنعيش سعداء ، قال "تعلموا منى فأنى وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت29:11) .
وللإنسان الوديع صفات كثيرة منها :
1 - الوديع طيب مسالم.
2 - الوديع هاديء بشوش .
3 - الوديع صوته خفيض وهادىء .
4 - الوديع سهل التعامل مع الناس .
5 - الوديع لا يتذمر ولا يتضجر .
6 - الوديع محتمل .
7 - الوديع لا يحتد ولا يتهيج بل يجاوب الجواب اللين والجواب اللين يصرف الغضب .
8 - الوديع يكون كالنسيم الهادىء الذي لا يحدث عاصفة ولا زوبعة ولا توتر ولا اصطدام ، بل تنساب حياته في هدوء وسلام مع نفسه ومع الآخرين أيضا .

الثمرة التاسعة : التعفف
@ الثمرة الحلوة الأخيرة التي ذكرها الرسول بولس هي التعفف .
@ التعفف هو العفة والطهارة والنزاهة والأمانة .
@ التعفف يشمل : عفة اللسان وعفة الجسد وعفة الحواس وعفة الفكر والقلب وعفة اليد .
@ عفة اللسان : هي ألا يتلفظ بكلمة بطالة من أي نوع ، لا شتيمة ولا كذب ولا حلفان ولا تهكم ولا إدانة ولا نميمة ولا أي خطية من خطايا اللسان .
@ اللسان العفيف صاحبه مؤدب مهذب يزن كل كلمة قبل أن ينطق بها ويتقن أدب الحوار والتخاطب مع الآخرين .
@ عفة القلب والفكر هي العفة الداخلية التي يبنى عليها كل تعفف من الخارج قال الحكيم "فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة (أم23:4( .
@ عفة القلب والفكر هي عفة المشاعر والعواطف والأحاسيس والمقاصد والنيات والرغبات .
@ أما عفة الجسد فهي بعده عن كل شهوة جسدية رديئة،وشهوات الجسد تشمل شهوة الأكل والشرب والراحة والمتعة والزنا وسائر الملذات الجسدية .
@ عفة الجسد تشمل الحشمة وعفة الملبس والعفة في المشي والجلوس والكلام .
@ الإنسان العفيف هو الذي يبتعد عن كل العثرات والمثيرات التي تثير الجسد وتهيجه وويل لمن تأتي بسببه العثرات .
@ عفة الحواس تشمل عفة النظر والسمع واللمس والشم والتذوق وكلها مطلوبة للإنسان الذي يريد أن يحيا حياة التعفف ، لأن الحواس هي مداخل القلب والفكر،وصيانتها تصون القلب والفكر والجسد من خطايا النجاسة .
@ عفة اليد أيضا مطلوبة وتعنى الأمانة وعدم السرقة والاختلاس وقبول الرشوة وملامسة الأجساد بغرض نجس أو ضرب الآخرين وإيذائهم أو تقديم ما يضرهم ويدمر حياتهم مثل الخمور والمخدرات والمكيفات بسائر أنواعها .

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More